شاعر الماء بسام صالح مهدي والسكن تحت المهيمنات همسات الأسي
اعتمد الشاعر بسام صالح مهدي في رسم شخصيته الشعرية علي مبدأ التطويق الذاتي من خلال محاولة غلق منجزه الشعري ببيان قصيدة الشعر الذي وقعه مع شعراء آخرين هم محمد البغدادي وعارف الساعدي ونجاح العرسان ومضر الآلوسي ومهدي الدليمي وعلي الرغم من أن الشعر لا يتقنون إلا إن هذا الالتزام خلق شعرية واضحة في عموم نتاج الشعراء الستة ومنهم بسام صالح مهدي الذي حاز في العام الماضي جائزة وصيف أمير الشعراء.
سنحاول في هذه القراءة تلمس المهيمنات البنائية التي تأسس في ضوئها النتاج الشعري لبسام صالح مهدي ومعلوم أن المهيمن الشعري لا يخلق اعتباطاً، بل يخلق علي الأغلب بمؤثرات نفسية أصيلة وعلي النحو الآتي:
1ــ المهيمن الرؤيوي: في شعر بسام انحياز واضح نحو صورة العقل الخالص التي تميل إلي الذهنية الدائرة بين حقلي السريالية والرمزية والتي تكون متعالقة مع الأثر النفسي الغالب في ذاته ــ أقصد ذات الباث ــ يقول:
كلنا أمكنة تشتهي أن تكون
شفة معلنة أو بقايا جنون
إن البناء الشعري في هذا النموذج الذي اخترناه يؤسس لتمازجية ذهنية تستدعي تفكير المتلقي لا سيّما في حيز الانزياح الدلالي الذي نقل البشر إلي أمكنة ثم أعادها إلي البشرية المجتزأة في فعل الاشتهاء المبثوث من الشفة ، والشفة لها اشتغالات سيمائية تشتغل اشتغالا ً مؤشرنا ً فهي إشارة اللذة في لغتها الأيروتيكية وإشارة الاحتجاج والتمرد في لغتها المتعالقة بالنص المختار.
ويقول:
أرخي شراع العمر من صدره ونام في أحضانه الجدول
فعبّأ الصحراء في جيبه ذاكرة عن نفسها تسأل
فقام من أهدابه منزل ومن يديه السور والمدخل
نلحظ في هذا المقطع الذهن السريالي من خلال نوم الجدول وتعبئة الصحراء وقيام المنزل من أهداب الموصوف، أمّا الذهن الرمزي فيبدو واضحاً من خلال الأمن المتكئ علي دالة النوم والاستقرار المتكئ علي دالة المنزل.
أن هذا التحايث بين الدالتين خلق علاقة نصية تناغمت مع سعي الشاعر إلي الخلق الشعري بوساطة خلط الأماكن الجسدية بالأماكن الطبيعية فالشراع والجدول والصحراء والمنزل والسور والمدخل كلها دوال ذات صبغة طبيعية بينما يقابلها الصدر والحضن والجيب والأهداب واليد دوال جزئية من الجسد.
2ــ المهيمن الموضوعي: وتؤكد نصوص الشاعر المختلفة علي مبدأ العلاقة مع الآخر الذي بدا مشوها ً في المتن الشعري ـ علي الأغلب ـ لاسيّما الصديق والملحوظ أن هذا الأمر اشتغل معادلا ً موضوعيا ً في منجز الشاعر وكانت له الغلبة والهيمنة.
يقول:
والصحاب الذين لا شيء عندي غيرهم هم تراثي المنهار
ويقول:
كم أطفأ الأصحاب عبرته وتاهوا بين أنفاس الظلام
ويقول:
فالأصدقاء الخائنون
نموا علي أكتاف صبري
أكلوا من الشجر العقيم وأنجبوا أسماء كفري:
فكم أتعبتني دروب المدارس أتعبني أصدقاء
الطريق
فعدت بنعلين مخصوفتين
ويقول:
وسل ِ الصلصال عن صحب مضوا كلهم يحمل وجهاً سرقه ْ
نلحظ أن الشاعر أركن الأصدقاء في حيّز السلبية فالأصدقاء تراثه المنهار وخائنون يأكلون من الشجر العقيم وسارقون ومتعبون والظاهر أن هذا الإسقاط الشعري ناتج عن سبب اجتماعي خارج النصّ بطبيعة الحال ولكن هذه الإشكالية الدلالية أدخلت الشاعر في جانب الضعف الإقناعي لانحياز الشاعر نحو الشمولية والشمولية في كينونتها تحمل شيئا ً كبيرا ً من الضعف الدلالي.
3 ــ المهيمن اللفظي: بدا المعجم الشعري لقصائد الشاعر ينتمي في معظمه لحاضنة واحدة
هي الماء ومجاوراته وقد وضحت هيمنة هذه الدالة من خلال الاستعلاء النصي لمجموعة الشاعر الثانية (الماء يكذب) ، والألفاظ الآتية مثال علي ما ذهبنا إليه:
المراسي / البواخر / الينبوع / الغيم / الندي / المجري / الطين / السحاب / الدلاء / الظمأ / المطر/الشرب / الغرق ....الخ.
أمّا الماء عند الشاعر فهو المهيمن ف (الماء يكذب) و(لا ماء يهرب من ضفافي) و(ماء لم يصدّق ظنه المجرة) و(أنهكتك الدلاء يا قلبَ ماء ٍ وأباحت مياهك الأغوار) و(كخوف كل ماء) و(ماء تنفس) و(كل الماء يكذب) و(كل هذا الماء يغري) و(عشرون نذرا في شفاه الماء) و(هو طفل هذا الماء) و(تمطر حبراً وتمطر ماء) و(لم تشارك ماء حاسدها) و(هل يكفيك تسمية الحنين بأنه ماء وطين) و(كم تناثر الماء) و(لا أغراه ماء ٌ) و(سرق الماء فأخفي غرقه) و(سرق الماء ولمّا لم يزل) و(ماء ٌ لم يصدق ظنّه المجري) و(قل للحبيبة لا تخافي لا ماء يهرب من ضفافي) و(أنهكته الدلاء يا قلب َ ماء ٍ) و(ثرثرات الماء في عينيه بوح) و(كم تاه ماءٌ) و(يرش من الورد ماء ً) و(أكلّما مات ماء ٌ ظل يعبده) و(الماء يغفو)
من خلال ما تقدّم نلحظ سعي الشاعر إلي تكثيف الماء بوصفه دالة طبيعية فضلا ً عن وصفه المكون الأساس للخلق ومن خلال الدال والمدلول صنع الشاعر علاقة جدلية بين الطبيعة والإرادة.
4 ــ المهيمن الإيقاعي: الإيقاع مصطلح إشكالي اختلف النقاد في تحديد ملامحه ومواطن حضوره وعندي الهيمنة الإيقاعية تحقق رتابة في النص وهنا لا أقصد حضور الإيقاع طبعا وإنما هيمنة نوع واحد من الإيقاع وهذا الأمر توافر في نصوص الشاعر بسام صالح مهدي فالشاعر اهتم بالإيقاع الخارجي كثيراً وأهمل الإيقاعين الداخلي والبصري فنلحظ أن أغلب قصائد الشاعر كانت منتمية للشكل العمودي ومتكئة علي البوح والإطلاق وأري أن سبب ذلك المنحي نفسي لا جمالي وأعزوه للمهيمن الموضوعي الذي أشرنا إليه ، لقد تحقق البوح بوساطة الاتكاء علي الهاء القافية وبحسب الآتي:
1ــ قصيدة مدينة الليل:
تجرّني خيل أيامي إلي طرق ٍ قد عفّرت وجه أعوامي حوافرها
3ــ قصيدة أحزان لسيدة الصحو:
وتدفن أحزاني رمال توهمي وفوق رمال الوهم بانت رؤوسها
4ــ قصيدة القدس:
أرض مؤجلة نمت أعذارها تبيض في شَفة المساء ثمارها
5 ــ التفاتة القمر الأسمر:
قمر طفل علي خديه بوح ثرثرات الماء في عينيه بوح
6 ــ رجعة الشهيد:
لمن هذا الجلال لمن تجلي وأرخي سفح دمعتيه وصلي 7 ــ هو الذي:
سرق الماء فأخفي غرقه ونأي في ليل عين مغلقة ْ
8 ــ أرملة في جَنوب القلب:
مازلت تعتقدين أنك سنبلة أو أنك امرأة بطعم قرنفلة ْ
9 ــ شامة في وجه القرية:
جدي هو النهر المعطر بالسحابه هو كلّ من أخفي بضحكته عذابه
مما تقدّم يبدوا أن الشاعر في نماذجه المختارة قد نحي منحي مقصودا في الاختيار المقصود الواعي للقافية وهذا يؤيد أن الاختيار المقصود يعد ّ جزء من الجمالية.
أخيرا ً نقول أننا حاولنا في هذا المقام أن ندرس جانبا ً من جوانب الإبداع عند الشاعر بسام صالح مهدي الذي تعمد بعض الطارئين علي الشعر والنقد أن يغضوا البصر والبصيرة عن جمالية شعره لسبب لا علاقة له بالموضوعية التي يسعي إليها الناقد الحصيف كما نؤكد هنا أن الشاعر بسام صالح وزميله الدكتور فائز الشرع ومجموعة بيان قصيدة الشعر بشقيها الإبداعي والنقدي قد أسسوا نصّاً شعريا ً تميز بالجدة والرصانة.
محمد ونّان جاسم
التعليقات
|
السلام عليكم
تحياتي وسلامي للاستاذ محمد ونان
واود القول ان مثل هكذا موضوعيه في النقد العربي
تعبر عن تطور الناقد ومدى اتساع الافق لديه من تحليلات
فنيه نقديه بصوره ادبيه رائعه تحياتي العزيز الغالي |
|
|
يا مناضل أنت أخي شكرا لك على ملاحظاتك القيمة |
|
|
في البدء لك تحياتي ومحبتي الغالية وبكل ناشطية قواي العقلية حتى لايحسب مااقوله معك على مواقف مضت عندي بلا رجعة ،اما عندك لااعلم بهاواللة اعلم،بقي ان اقول لك في موضوعة ماقرات في ولوجك للنقدوالتحليل،الحقيقة اهنيك على هذة المغامرة المنطقية ولكن في كل الاحوال، مثل هذة القراءات تحتاج لحيادية موضوعية ، وكذلك مراعاة الاحكام،وهنا اقصد الاحكام السريعة،لانها عادة مايقع بها الناقد في فخ ومطب المواخذات، وكثرة الاطراءات ماتؤسس الى خطابات تحمل في طياتهابعض المحاباة والاخوانيات،على العموم اعتقد هذا الكلام يمعض الاخرين،ولكن اكرر لك مساحة اعجابي بتناولك شاعر الماء والنماء،مع الود. مناضل التميمي /بغداد |
|
الاسم: |
سامر فلاح |
التاريخ: |
2010-06-03 06:57:02 |
|
قراءة نقدية ممتازة بارك الله فيك يا استاذ محمد |
|
|
الأخ علي سليم ما النقد الأخواني ؟ هل النقد الأخواني يؤشر ملامح الضعف مثل ما فعلت مع أخي وحبيبي الشاعر بسام ( كلمة شاعر ذكرتها من باب العناد ) تحياتي لك وأقول : قراؤتك زادتني سرورا |
|
|
شكرا للأخ الشاعر المبدع فائز حداد انالم أفهم معنى (على قد حالة) لكن عموما أنا ضد التقليل من شأن أي مبدع سمتنا نحن العراقيين مع الأسف نقلل شأن بعضنا البعض على عكس جو الأدباء في مصر فهم يعظم أحدهم الآخر
|
|
الاسم: |
علي سليم |
التاريخ: |
2010-06-03 00:35:33 |
|
هذا نقد اخواني د. محمد ...
كون علاقتك بالشاعر بسام طيبة .... واقول لك لماذا هذا التكرار للمفردة شاعر؟ " الشاعر بسام صالح مهدي فالشاعر اهتم بالإيقاع الخارجي كثيراً وأهمل الإيقاعين الداخلي والبصري فنلحظ أن أغلب قصائد الشاعر "
وسؤالي الاخر هل انت تقرأ الى ابراهيم الجعفري ؟ تحياتي من قلب اليكما
|
|
الاسم: |
فائز الحداد |
التاريخ: |
2010-06-02 20:28:59 |
|
عزيزي د محمد تحاتي لك ، وارجو ان تكون بخير وكل الاصدقاء في دمشق الحقيقة دراسة جميلة وتنطوي على أهمية في الرأي والرأي المقارن .. لكنني لدي اعراضات على ماجاء بخصوص بعض الأراء التي جاءت بها .. خصوصا بالقيمة الشعرية لزميلنا بسام فالمهرجانات لا تحسم شاعرا خصوصا جوائز السياسة الملغومة،فالرجل على قد حالة يا د الونان وهذا ليس برأي شخصي انما هو رأي موضوعي وأسأل الشعراء تجدني محقا . تحياتي لك أيها العزيز |
|