ديمقراطيات ثلاث في بلد واحد
مصطلح ديمقراطية Democracy ذات جذور يونانية و أصله تركيب لكلمتين هما Demos و Kratia و الأولى تعني الشعب و الثانية الحكم و بذلك يصبح معنى المصطلح هو حكم الشعب.
واقع العراق و تعدديته القومية الطائفية يمكن أن ينظر أليه من زاويتين: الأولى النظرة الإيجابية باعتباره نموذجاً للتنوع الفكري و الغنى الثقافي الذي تحمله مكونات الشعب العراقي باختلاف المذاهب و القوميات و الذي يجعل من تلون الفسيفساء العراقي حالة منفردة بين دول المنطقة بامتياز و الثانية السلبية التي تجعل من ديمقراطية العراق في مرحلة الممارسة و العمل ثلاث ديمقراطيات أفتراضية لكل منها جمهورها نكاد نسميها بشيعقراطية و سنقراطية وكوردقراطية. الشيعي يختارشيعياً و السني يختار سنياً و الكردي يختار كردياً حتى لو علم علم اليقين بأن خارج ديمقراطيته الإفتراضية التي زرع حدودها هاجس الخوف من الآخر و االقلق من الغبن و ضياع الحق هناك من سيفيده و يفيد مجتمعه و شعبه أكثر من مرشح داخل شيعقراطيته أو سنقراطيته أو كوردوقراطيته.
و نسأل الذي ينكر هذا الواقع القائم في مجتمعنا العراقي السؤال التالي: هل وصل النضج السياسي حقاً الى مرحلة يتجرد فيها المواطن عند دراسته للمرشحين و سيرهم الذاتية عن كون المرشحين ينتمون إلى طائفته أو قوميته و هل وصل إلى مرحلة ينتخب فيها العراقي الشخص الأكفاء و الأصلح و الأقدر حتى لو كان ينتمي إلى مكون غير مكونه أم أن الخطوط الحمراء التي ترسمها كل واحدة من هذه المكونات الثلاثة اليوم حول نفسها و لا تسمح لا من حيث التقبل النفسي و مستوى التفكير و لا من حيث الممارسة العملية و التجسيد على تعديها مازالت منذ السقوط و إلى يومنا تعتبر الحدود الفاصلة بين الفئات. ونتساءل هل إستطاع أحد من المنتمين إلى طائفة أو قومية معينة أن يفكر خارج
الجعبة (Thinking outside the box ) المصطلح الذي دوماً ما يتكرر في المفاهيم الغربية و الذي يعني ضرورة عدم التقوقع و إتساع الأفق و إنتقال الإنسان من رؤية قاصرة و محدودة إلى الأمور إلى مرحلة التفكير بشمولية و عقلانية؟ وللعلم ففي كل الديقراطيات المستقرة - الناجحة في دول الغرب و شمال أمريكا تضم الأحزاب السياسية المتفقين على رؤية سياسية معينة متجاهلين الانتمائات الأخرى التي تعتبر ثانوية و لا تعار أهمية لإعتبارات الدين و المذهب و العرق كما حصل في انتخاب باراك أوباما رئيساً على الولايات المتحدة الأمريكية.
يقال أن الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها و ستتحول ديمقراطيات العراق الثلاثة إلى ديمقراطية واحدة كلما تضاءل دور الإعتبارات الفئوية المذكورة و رفعت الحواجز الفكرية النفسية الإفتراضية و التي تتناسب تناسباً طردياً مع تأصيل و ترسيخ فكرة الوطن و الوطنية التي فقدت بريقها في عراق أختزل الطاغية تلك المفاهيم في شخصه و لم يكن عادلاً فيه حتى في ظلمه و ميز بين فئات المجتمع على أساس الطائفة و القومية ليغرس بذلك هواجس الإرتياب و عدم الثقة . سنحتاج الى وقت لتربية الأجيال على حب الوطن و حب الآخر و وضع مصلحة العراق فوق كل المصالح الضيقة فحب الوطن كما يقال من الأيمان.
ياسر الخزاعي
التعليقات