المدينةُ في أسر المدينة/ من ذا يستر فضيحة السواد
المدينة في لا شعورها فكرة الموت دائماً، لا لأنها تعيش محنة وجودها، فوجودها في عين فكرة الموت، فكيف يكون الشئ علَّة ذاته؟، إنَّ هذا هراء ٌ، إلا أن يكون ذلك الشيء هو ما العقل لولا تصوُّره كنهايةٍ لا نهائيةٍ لا بدَّ من لابديتها لانتثرت كلُّ مجراته بكلِّ ما فيها من كواكب النور في عماء الأزل!
يكفهرُّ وجه المدينة من حفلات الزفاف المستمرة للشاعرات، وأين هنّ الشاعرات؟
كلُّ ما في المدينة منهنَّ فحمةٌ يقال عنها إنها تزني مع فحمٍ تزوجها أخيراً ليستر فضيحة السواد.
المدينة تصوم في غير شهر الصوم في سنتها سنةً ونصفاً، ومع ذلك فالمدينة حبلى، والجنين نحن، ونحن نحن الصائمون!
المدينة ترفع خنجرها لتطعن قاتل أبنائها، وتنسى فتطعن نفسها، وتبرر هذا بأنَّ طعن نفسها أمام قاتل فلذات أكبادها له صورةٌ في عين بارئها تشبه وجه جبرئيل وهو جالسٌ جلسة العبد في صعيد عشقٍ لا يُرى داخل قلب النبيِّ محمَّد.
وحتى عندما تموت
ترفض أن توضع في قبرها عاريةً إلا من الكفن ....لانها ببساطةٍ لم تمت،
بل غابت عن وعيها فقط في لحظة انغماسها في شهوة عزرائيل
أهذه المدينة ....أمنا هذه المدينة يرضع أثداءها الموت؟
إذن الموت أخ ٌ لنا إن كان يرضعها بغير نزوةٍ
وهو في مقام والدنا، أو هو والدنا إن كان ساعة الرضاعة منكمشاً عقلُهُ من ضخامة القلب
أخانا ايها الموت ....
أو أبانا أيها الموت
إن كنت طفلاً تبنتك منذ الصغر، فقد آن فطامك ...فاعتق ثدييها ....ودعنا نعد، نعد برحيلك عنها صغاراً يشرنقون عشقهم في القماط، ويرشفون من ثدي أمهم المتحرر من رضاعتك آخر رشفة حبٍّ قبل أن تجفّ ...
وإن كنت ماجناً فخذ وطرك منها ودعها رجاءً تؤدي غُسل جنابتها وتصلي بنفسها صلاة الجنازة على نفسها
حتى إذا دفناها في التراب، صارت جديرةً برأي شاعرها أن يبني فوق قبرها ضريحاً، ويعمل حتى يموت فيدفن إلى جنبها فيه سادناً...
تتشعب الطرقات في خيال المدينة، والمدينة في الحقيقة محجوزةٌ عند مدخلها ...
تمتدُّ أبصار الناس نحوها، فلا أحد يعرف أنها هي تلك المدينة المطرودة من قلب قلبها إلا أنا، فأصرخ ويلكم إنها هي، لكنما شرطي ٌّ يطلق على رأسي رصاصةً، فيصير مشفىً تنام على أسرته كائنات الجنون!
لا المدينة تحفظ علاقتها الطيبة بنفسها، ولا نفسها توّاقةٌ إليها
وأنا بينها وبين نفسها أقف برزخاً وأنادي القيامات
فلا تجيب منهنَّ إلا قيامةٌ واحدةٌ تسفر عن كلِّ مواطن اللذَّة في بدنها ثقةً منها بأنَّ مجاز الشاعر لا يمكن أن يخون ...
يا لسذاجة الشاعر إذ يتصور أنه بؤبؤ عين قلب المدينة، بينما هي تقذفه في القمامات مثل المخاط ...
يالروعة الشاعر إذ يسلخ أبداً جلد ذاكرته ليكون تمثال مدينته آخر ومضةٍ تقدح شرراً وناراً بين حقولها الملغومة قبل آدم بالنفط والغاز
يقال بدني هذا من تراب المدينة، بدني يرفض، أو ترفض هي أن يمشي عليها
هي بسرفاتها تطأ بدن الشاعر فيومض، هذا البدن يومض، حتى يكاد يصير برقاً
بدن الشاعر ليس من ضوءٍ كما حدثتنا قصائده
بدن الشاعر طينٌ أيضاً
بفرقٍ واحدٍ عن طين أبدانكم
طين بدن الشاعر أحياناً تحسُّه جمراً
أحياناً تأكله خبزاً حارّاً
وأي ُّ رجسٍٍ طهرٍ في حقيقته
يصلح أن يكون معه أداماً
طين أبدانكم أنتم
ألمسه فلا أحسُّ أنَّ فيه شيئاً من برودة الموت
ولا شيئاً من حرارة عشق الحياة
طين أبدانكم يا سادتي
بلون الأسى في مخيلة الربّ
لا الموت يشتهي لذة النوم فيه
لا النوم حبل الوصل بحبيباتكم في أرجائها
لا أرجاؤها برحبةٍ إلى درجة أنها تستوعب الحياة
طين أبدانكم يخضرّ أحياناً كقرص خبز ٍ تعفَّن
أما بدني أنا فيخضرّ أيضاً
يخضرّ كالنعناع حول ساقية الماء
يخضر ّ بدني
يخضرّ عشقاً لأيّ شئٍ طافح ٍ بالحنان
حتى لو كان ذلك الشئ موتاً يدغدغ
أسفل قدميّ ساعة الإحتضار
***
مرةً أصبحت في يد المدينة عكازاً، فزادت مهابة الشيخوخة في أوصالها .. باسم الماضي عكازٌ في يد المدينة ....؟ يا لروعة المشهد ....لا تخبروا ألبير كامو عن هذه القصة، فلا شكَّ أنه سيموت ضحكاً ... فما زال يذكر أني عندما كانت جمجمته مدينةً مصابةً بالطاعون، وكانت كلُّ كائناته مستنفرةً جهودها لنقل المرضى، كنت أنا الوحيد أمسك بذيل أليته وأضحك
باسم الماضي عكازٌ في يد المدينة
ربما لدى هايدجر عذرٌ يلفــّقه
فهو يعرف أنَّ في النفاق سراً عجيباً
يجعل الأرض المشوَّهة هذه
تطيق النظر طويلاً إلى وجهها في المرآة
باسم الماضي عكازٌ في يد المدينة
الملاّ صدرا رجل ٌ يحلق في الخيال عالياً
وتعرفون الملاّ صدرا
رجل ٌ مهووس ٌ بالوجود
ويحطُّ كبقــّةٍ على أنف الماهيـّات
فيعطـّل حاسـّة الشـّمّ فيها
باسم الماضي عكازٌ في يد المدينة
الملا صدرا يقول
حتى وهو عكازٌ في يد المدينة
فإنَّ باسم الماضي قصّ جدائل شعر فلسفتي
فلم تعد قادرةً على تمييز نفسها
أهي بين الذكور ذكر ٌ ؟
أهي بين الإناث أنثى ؟
باسم الماضي ليس وجوداً
ولا هو ماهيـة ٌٌ
ولا هو هذا وتلك معاً
ولا هو ليس هما تماماً
الأفضل أن أتغاضى عنه
حتى يقتنع بلاحكمة ِ أن يكون عكازا ً
وحينها سأسافر سفرا خامساً نحوه
أو أتخيل أنَّ عينيه سِفْر ٌ
فأخطفه بشعاع ٍ من عيني ّ أنا
وأفصله عن ظهر الحمار
***
ستصير المدينة ملكا ً لساكنها يوما ً عندما تتحول كلُّ أبنيتها، فنادقها، وعماراتها، مدارسها، ومستشفياتها، شوارعها، وجماجم الأطفال فيها،إلى عصيرٍ طيبٍ جداً في مذاق الخيال.
المدينة جند ٌ على نفسها، تهرس عظامها، وتبول على جثث القصائد المذبوحة توّاً من أجل رثائها.
حتى رثاؤها جريمة ٌ في نظر رثائها، فمتى إذن يكون المأتم معقولا ً؟
***
تسيطر الغيوم على سماء نفسي ...فلا يفرح النبت الظامئ فيها
صحراء نفسي طلـّقت غيمها ثلاثاً
طلـّقته هي
فالغيم كان فاقدالأهلية أن يكون زوجا ً
جنونه كان غابة ً ناريّة ً مرعبة
***
لا ارى في المدينة مأربا ً
خذها أيها الرب ُّ
فعالج عطب َ روحها
عالجه سريعا ً
فالحياة تمضي
***
المدينة قابعة ٌ في الفؤاد
تعرفون أنَّ مسقط الرأس
حتى لو كان رمحاً
فهو عزيز ٌ على الرأس
خصوصا عندما يقف الجند هاتفين
بموت مجد الموت على الجانبين
بيد أنَّ المدينة يا أحبائي أفعى
وأحياناً تهدّئ من روعها فتصير عقربا ً
الغار أنا
لي ألفة ٌ مع كائنات ٍ كهذه
وكثيرا ً ما أنسى كوني شاعرا ً
فأغازلها لدغاً بلدغ ٍ
لا يجمل بالشاعر إذ هو أفعى
وإذ هو عقرب ٌ كذلك
أن ينظر إلى نفسه في المرآة
فمن سكن الغار مثلي
فعليه أولاً أن يفخر نظراته جيداً
حدَّ أن تصبح حجراً فاخراً
ويطلقها نحو تلك المرآة
فيجعلها شظايا
***
زمن المدينة ليس هذ، زمن المدينة يبدأ من حيث تموت، موتها نشورها، نشورها يعني أنني قبلةٌ ما بين عينيها، آنذاك فقط، حين تسلخ جلد حياتها هذه، حياتها المتغضّنة من شدَّة الضدّ فيها،حياتها المرعبة أكثر من خيال عزرائيل، حياتها المغروزة خنجراً في صدر عاشقها، أعود فأمارس معها كلَّ نزواتي، كلَّ فجوري، كلَّ شوقي إلى أن أجرّدها من احتكاك الأرواح غيري بروحها. عندها من يقول إنك بها فاجرٌ؟ أو أنك يا باسم الماضي تفجر بروحك؟.
سأقطع صلاة فمي بين نهديها، أقطع صلاتي بما هو جزءٌ منها، فأبصق فوق قمامة روحه، وأقول تباً لكلِّ مراحيض العالم إن لم تصر جسدك.
***
هل ترون العاشق الحقيقي َّ عاهراً حين يشرب جسد حبيبته فراتاً ويحلم ؟
الحبيبة - أعني المدينة-حتى وجسدها لاصقٌ بجسده ِ ليست إلا حلــُماً، الحبيبة تثأر منه بطعن واديه بزمزمها، وهو يثأر منها بأن يطلب منها ابتسامةً خجولةً مثل بلح ٍ ناضج ٍ تطرحه فسيلة ٌ بعْد ُ لم يستقم جذعُها.... ويبكي
***
أنا أكره المجوس، حتى لو عبدوا النار من أجل أنها غزل النفوس بالنفوس.
في قضية الأخت بالذات إذا هام بها أخوها، فشاء لروحها أن تنصهر بروحه، أعدُّهم حكماء َ جداً. إلا أن يقصدوا أنَّ جسدها عورةٌ في حضن زوجها. في هذه النقطة بالذات يصيرون أنذالاً....
فيما يخصّ المدينة، الوضع ليس كذلك، المدينة اخت ٌ \نعم \، بيد أنَّ جسدها للأخ حقٌّ، لأنَّ المدينة ليس من جنسها أحدٌ إلا أخوها، وتعرفون كيف أنَّ الله جعل هذا أيّام َ قابيلَ مباحاً.
المعنى في رأسي يتكسَّر ....ما هذا يا باسم الماضي ؟ أما ترى بدنك مزروعا ً كلُّه بهذه الشظايا؟ تقول: إنها ليست شظايا، بل كتاب ٌ مقدَّسٌ مبعثرٌ ليس إلا ...قل لجبرئيل أن يضعك دقيقةً في جوف قلبه، علّك تشفى من جنوح روحك إلى ما ليس منها . أو.علَّّ بدنك يشفى أيضاً من جنوح بدنك إلى أسفل ما فيه ...
هل بقي من بدنك شئٌ يجنح إلى أسفل ِ ما فيه ؟
بدنك روح ٌ ...أما تعلم ؟
فإذا دخلت قلب جبرئيل، فدونك قلبه، فحوِّله رماداً بنار بدنك، وصيِّره مزاراً!.
أيها الشرر
أيها المتطاير كالرصاص من فرن هذا الكلام
لا يكن آخر اللقاء بك ضريح الله المحاصر هذا بقنابل الإرهاب.
باسم الحسناوي
التعليقات
|
السيدة وفاء عبد الرزاق انك مبدعة عراقية بكل معنى الكلمة، وانااعتز فعلا بذلك العمل الذي نشرته عندك قبل ثلاث سنوات واعتزظ اكثر باهتمامك بما اكتب باسم الماضي الحسناويّ ــ اخوك |
|
|
اسمح لي اخي باسم
استنسخت مدينتك لاحترز بها كما قلت لك
|
|
|
الله عليك يا باسم الله الله ياباسم لا ادري ماذا اقول يا اخي،، حقا اجد نفسي عاجزة عن وصف ملحمتك هذه.. اتعرف.. منذ ان بعثت لي بنصوصك زمان لانشرها في جريدة المنتدى في لندن حيث كنت احرر تعلقت بكل كلمة تكتبها وقصائدك كنت اقراها مرات ومرات اول ما يتفضل علي الايميل بها وحين اصنفها وحين احررها ووقت ادقق الكلمات ووقت وصدورها ثم احتفظ بها.. حكرز
حرز يعصمني مما اقراه هنا او هناك ارمي كثيرا واشطب كثيرا وامسح كثيرا ، ثم احترز بالقصيدة منتظرة ايملا جديدا. شكرا لك ايها الاخ والصديق الغالي
|
|