جديد الحكومة العراقية ..... جدولة البناء بدلاً من جدولة انسحاب الإحتلال
بعد ان شربنا من كأس الوعود الحكومية حد الثمالة ، وبعد أن ارتشفنا من أواني الديمقراطية الجديدة حد الإشباع ، وبعد أن لعبت برؤوس البعض منا شمول الإصلاح ، وبعد أن منت علينا الحكومة العراقية بنعمة التمتع بمنجزات الخطة الأمنية ، أو ما يسمى بــ خطة فرض القانون على المستضعفين ، وبعد أن ، وبعد أن ، وبعد أن ، بدأنا نسمع بأخبار صيحة من صيحات الموضة السياسية الجديدة التي تسمى بــ ( جدولة البناء ) ، كبديل عن جدولة خروج قوات الإحتلال .
وليس بوسعي إلا أن أعترف - بانحناء - بأن هذه الصيحة الجديدة تعتبر سبقاً سياسياً ودليلاً واضحاً على حسن تعاطي حكومتنا العراقية ( الوطنية المستقلة جداً مع آخر مبتكرات موضة المصطلحات السياسية ، وهذا لوحده يعتبر نقطة لصالح الحكومة ، ودليل على رغبتها الحقيقية في مواكبة روح العصر والتقدم .
وحري بنا أن نشكر الحكومة الحالية والحكومة التي سبقتها وكذلك حكومة الأشهر على ارجائها لمشروع جدولة انسحاب المحتل ريثما يتم ترسيخ مشروع جدولة بناء العراق ، رغم اننا - كمراهقين سياسيين كما يدعي محبونا - لم نفهم لماذا مر مشروع بناء العراق بهذا السبات الطويل ، ولم نفهم - بعد - لماذا بقيت مشاريع الفيدرالية وغيرها مستيقظة وتعمل على قدم وساق ؟ ولم نجد جواباً عن سؤال غريب يتعلق بالكلمات الأولى الواردة بالدستور والتي تقول ( العراق دولة مستقلة ذات سيادة ) وبعدها تأتي الفيدرالية والكونفيدرالية والإنبطاحية والزئبقية والإتحادية وغيرها ، ولكننا نجد الإلحاح على الفيدرالية مقتطعة من مجمل النص ، ولم يتم الإلتفات الى السيادة والإستقلال ، وهذا برأيي يشبه تعلق البعض واشتغال ذمتهم بآية ( الخمس ) تاركين ورائهم سورة كاملة في القرآن إسمها ( سورة الجمعة ) ، وسلام على المولى المقدس الذي أحيا صلاة الجمعة .
وغريب أيضاً أن يصرح بوش ( العراب الأكبر لـــــــ ) بعدم قبول جدولة الإحتلال قبل يوم من التظاهرة المليونية التي دعى لها الأخ القائد مقتدى الصدر ، والتي سدت براياتها عين الشمس ، وسدت -أو قل أعمت - معها عيون القنوات الفضائية المأجورة والخجولة والمؤدبة والمطيعة لأولياء نعمتها ، ثم يأتي تصريح السيد المالكي بعد التظاهرة ليعزز تصريح ( بوش ) بــــ لا جدوى الإنسحاب .
القوات العراقية تسرح وتمرح بأبواقها ، وفوهات البنادق موجهه تجاه العراقيين ، والخطة الأمنية تستهدف المفخخات تاركة ورائها من يقوم بالتفخيخ ، وقامت الدنيا ولم تقعد لجسر الصرافية ، ( وطز بــــ حي التنك ) وطز بشوارع العاصمة ، وطز بالكهرباء وطز بتوفير المياه ، وطز بالحصة التموينية ، وطز بالتهجير ، وطز بأزمة الوقود ، وطز بانتشار ظاهرة التسول ، وطز بهجرة العقول العراقية ، وطز ، وطز ، وطز ، المهم إن الحكومة تحاول ، وترد ولا تقصر بالتصريحات ، وهاي تعمر - جهدها- ما تمتد له يد الإرهاب ، وكما كان الديكتاتور المقبور يقول ( يعمر الأخيار ما يخربه الأشرار ) ها هي الحكومة تدلي بدلوها في الدلاء ، وتعمر جسر الصرافية ، بهمة وطنية عالية ، لا تشبه همة الحكومة في اعادة بناء قبة الإمامين العسكريين ، حتى بدأنا نخشى أن يتمنى بعض العراقيين أن يروا التفجيرات تعم البلد كي تلتفت الحكومة لإصلاحها وتعميرها بعد أن يخربها الأشرار .
ومن الكثير الكثير الذي نجهله فإننا نجهل سر الثقة التي تضعها الحكومة بقوات الإحتلال ، وكأن قوات الإحتلال تمثل سلطة الحماية الكبرى للعراقيين ، وكأن وجود قوات الإحتلال من ضرورات استكمال بناء العراق ، متناسين إن مجرد حدوث انفجار السيارة المفخخة في ( المنطقة الخضراء ) لهو دليل على فاعلية قوات الإحتلال في حماية الوطن ، وخصوصاً إن المنطقة الخضراء هي من المناطق ذات القدسية العالية ومنها يسري ويعرج المسؤولون الحكوميون تحت رعاية الكلاب البوليسية والأجهزة التقنية الفاحصة ، وليس من حقنا أن نتسائل كيف ومتى ومن أدخل سيارة كاملة مفخخة بشحمها ولحمها الى المنطقة الخضراء ، ولكن لا اجد ما يمنعني من تصور فكرة إن قوات الإحتلال استطاعت أن تجر الإرهابيين الى المنطقة الخضراء لتحصرهم في ميدان الحرب وتنتصر عليهم ، لأن العراق - كما يزعمون - أصبح ساحة للحرب على الإرهاب .
نحن نشعر بل نجزم بأن أي خرم في جدار الوطن لابد أن يتأتى نتيجة رصاصة من رصاص المحتل ، وإن مشروع الحرب الأهلية والحرب الطائفية والتقسيم هي من متبنيات جنود ( الرب الأمريكان) ، ونعرف لماذا بدأ البعض من الساسة الذين طبلوا وزمروا وشفطوا أموال العروبة لمساعدة المقاومة لطرد المحتل ، نعرف لماذا بدأوا ينادون ببقاء المحتل ، ونعرف أي حماية توفرها لهم قوات الإحتلال في أماكن التوتر التي تعشش فيها ( حماياتهم وعصاباتهم ) التي لا تجروء القوات العراقية على التعرض لها ، ونجزم بأن ( أحدوثة ) جدولة البناء ما هي إلآ لعبة جديدة يراد منها تغطية انسحاب الحكومة من متبنياتها وشعاراتها التي رفعتها أعلى من رايات العراق إبان الحملة الإنتخابية ، وليت شعري هل تراهن الحكومة على ورقة الإحتلال في حماية العراق أم في بناءه ؟ ومتى رأى المواطن العراقي بوادر ( جدولة البناء ) ؟ وهل تعتبر الحكومة إن تجديد أرصفة ( مدينة الصدر ) ثلاث مرات يومياً ( بعد الأكل ) هو ما يصبو إليه العراقيون من البناء ؟
العملية برمتها تكاد تشبه الضحك على الذقون ، والعراقييون الآن يفهمون المراد من لعبة ( جدولة البناء ) ، ومن المعيب أن تنظر حكومة ما الى شعبها بهذا المستوى المتدني من الإستصغار ، ومن المعيب أيضاً أن يزايد البعض على معاني الوطنية ، ومن المستهجن أن يقف سياسي مرموق ( ولا أقصد غارق بالمرق ) ليقول بأن كل عراقي شريف يطالب بجدولة خروج المحتل ، وإن كل عراقي شريف لا يرضى بالإحتلال ، ولكن لا بد من بقاء المحتل لأسباب وأسباب .
بقي أن أشير الى نقطة قد يفهمها البعض و ( يغلسوا ) عنها ، أو لا يفهمومها ، وهي إن إرادة المطالبة بخروج المحتل إرادة شعوب ، وهي ليست إرادة الشعب العراقي وحده ، بل حتى إرادة الديمقراطيين الأمريكيين الذين يمثلون إرادة الشعب الأمريكي الذي انتخبهم ، ومعنى ذلك إن حكومة بوش وحكومة المالكي تقفان إزاء أو ضد إرادة الشعب كل حسب اختصاصه .
راسم المرواني
التعليقات