قمة جدة 2023 وملفات شائكة ووضع إقليمي ودولي مشتعل
تعتبر الجامعة العربية أقدم منظمة إقليمية في العالم إذ نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وعقدت القمة الأولى بدعوة من الملك المصري فاروق الأول بأنشاص عام 1946 وبحضور ملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم للدول السبع المؤسسة، وهي مصر والسعودية والأردن واليمن والعراق ولبنان وسوريا, ومنذ ذلك الحين عقدت عشرات القمم في دول عربية عدة، وأفرزت مئات القرارات التي أسهم بعضها في لمّ الشمل العربي تجاه بعض القضايا، بينما بقيت قرارات كثيرة من دون تفعيل حقيقي، إلا أن القمم الدورية للزعماء العرب لا تزال مقياساً واضحاً للقوة العربية المتحدة ضد أزمات عالمية كبرى وملفات شائكة ووضع إقليمي ودولي مشتعل , وبعد أن كانت القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العربي تاهت وسط جملة من الأزمات الاقتصادية والسياسية، بسبب ما شهدته الدول العربية خلال الأعوام الـ 10 الماضية من حروب وانقسامات آخرها ما يحدث في السودان الآن
أن الزمن بين أول قمة عربية عقدت في "أنشاص" عام 1946 و"قمة جدة" 2023 77 عاماً، منها 32 قمة عادية عقدت ما بين العواصم العربية إلى جانب عدد من القمم الاستثنائية من دون أن ترقى بالعمل العربي المشترك إلى الفعل الحقيقي بما يحقق مصالح وأهداف الأمة العربية، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية استحوذت على معظم هذه القمم، لكن ما يعتبر إنجازاً هو الحرص على عقدها,والمنطقة العربية تشهد حالياً صراعات وحروباً وآخرها في السودان، واستهدافاً إقليمياً ودولياً وتحديات وتهديدات للأمن القومي العربي، مما يضع ’قمة جدة‘ أمام مسؤوليات ومهمات كبيرة وتطلعات وآمال باستعادة الفاعلية لقمة جدة تأتي في ظل سياقات وتحولات سياسية عربية وإقليمية ودولية ما بين الإيجابية والسلبية، إذ تستضيفها أهم منطقة في العالم من حيث الموقع الجيوسياسي والاقتصادي، وربما تكون أفضل من سابقاتها لأنها تعقد في ظل المصالحة الخليجية الكاملة والاتفاق الإيراني - السعودي، وكذلك عودة سوريا للحضن العربي وما له من انعكاسات إيجابية على قضايا مهمة مثل الحرب في اليمن والأوضاع في لبنان وسوريا وفلسطين"، مع وجود تفاهمات وتنسيق عربي أشمل بين دوله المحورية والمؤثرة، وهو ما قد يساعد في بلورة تحالف إقليمي عربي قادر على التعامل مع تراجع الدور الأميركي في المنطقة. جهود القمة في تهدئة الصراعات وتوجيه نزاعاتها لتصب في مصلحة الجميع في المنطقة، مضيفاً أنه "بالتأكيد هذه التطورات ستكون انعكاساتها حاضرة في أجندة قمة جدة بما يشكل تحولاً مهماً في مسيرة العمل العربي المشترك,, الدول العربية قادرة على طي صفحات الماضي وبدء مرحلة جديدة مختلفة تماماً تتسم بالتنسيق الحقيقي وتناغم الأهداف ووحدة الغايات والتضامن الفعلي، والوقوف صفاً واحداً لصناعة مستقبل جديد للمنطقة بعيداً من الاستقطابات الدولية.
قمة جدة هي لفك ولحلّ النزاعات القائمة بين العرب، وتُدرج هذه الاجتماعات في السجلات الرسمية للقمم العربية, ويدرس من خلالها الزعماء العرب أسباب النزاعات للخروج بحلول ترضي الطرفينكما أنّ نتائج هكذا قمم تنصُّ في الغالبِ على الدعوة إلى الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية في حالة النزاعات والسحب السريع لكلا القوتين المتنازعتين فضلًا عن إطلاق سراح المعتقلين والأسرى من كلا الجانبين وغيرها
تعتبر القمة العربية التي استضافتها مدينة جدة من أهم القمم العربية. فهي قد عقدت في ظل متغيرات جديدة إقليمية وعالمية. وبدون أدنى شك، فإن اللسعودية كانت بطلة الكثير من الأحداث التي غيرت المشهد وخلطت الكثير من أوراق التوازنات الإقليمية وعلى رأسها يأتي عودة العلاقات مع إيران، ومحاولة تسوية كافة أو أغلب الملفات ذات الصلة بها. وهي ملفات ليست قليلة ولا سهلة. وأهمها ملف اليمن والملف السوري واللبناني,, و يرغب العرب خلال السبعة أعوام القادمة في إعادة هيكلة اقتصاده وتقليل اعتماده على النفط. فتصفير المشاكل الإقليمية، أو على الأقل خفض تكلفتها قدر الإمكان، يعني توفير المال والوقت، وإعطائه للداخل ومشاكله الاقتصادية- وهي ليست قليلة أيضاً. فإخراج اقتصادنا من مرض الاعتماد على النفط ليست من المهام السهلةوإلا لما بقي أعضاء الأوبك معتمدين على النفط طوال هذا الوقت ,, إلى إحياء الكثير من الملفات الاقتصادية التي وضعت على الرف نتيجة الخلاف العربي - العربي منذ احتلال العراق للكويت، وفيما بعد "الربيع العربي" الذي كان خريفاً بامتياز تساقطت فيه الأوراق , ونذكر هنا , إقرار المجلس الاقتصاد العربي عام 1997 للبرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، بهدف تشجيع التجارة بين الدول العربية من خلال تحريرها من الرسوم الباهظة. ومن ثم محاولة القادة العرب في مؤتمر القمة العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الكويت عام 2009 رأب الصدع، والاتفاق على إقامة اتحاد جمركي عربي عام 2015 وسوق عربية مشتركة عام 2020. ولكن، ومثلما نرى، فإن ذلك لم يتحقق، ونحن الآن في عام 2023
وكانت القمة العربية في جدة مهمة للم الصف العربي وإزالة الخلافات، من أجل إعطاء دفع للتعاون الاقتصادي العربي. لأن هذا التعاون لا يزال دون الآمال المعقودة عليه. فإذا نظرنا إلى التجارة العربية البينية، فسوف نجد أنها، رغم كل الإنجازات المتحققة، لم تقترب بعد من المستويات التي نراها في تجمعات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي. فنسبة الواردات العربية التي يتم تغطيتها من الأسواق العربية تحوم حول 13%. ولذلك، فإن الاتفاق والوئام العربي، سوف يمهد الطريق إلى عودة التعاون الاقتصادي العربي وزيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية
قمة جدة تغلبت فيها القوة الناعمة الدبلوماسية بحل الخلافات العربية حول إعادة مقعد سوريا إلى نظام بشار الأسد، عبر مسار ساهم فيه الأردن، أحد المتضررين الكبار من عمليات تهريب المخدرات القادمة من سوريا، والذي يستضيف قرابة 670 ألف لاجئ سوري، وشاركت فيه مصر، الدولة المقرّ لـ«الجامعة العربية» والعراق، القريب سياسيا من نظام دمشق، وبذلك نجحت فيما لم تستطع فعله الإمارات والجزائر، المتحمستان لعودة نظام بشار الأسد، وكذلك تونس، التي انضم رئيسها قيس سعيّد لهذا المسار لأسباب داخلية وخارجية, هذه الخطوة كانت في حاجة لإجماع عربي، حسب قوانين الجامعة، وكانت مسألة إشكالية وتواجه معارضة من قبل عدة دول عربية، على رأسها قطر، التي كرّر مسؤولوها، قبل الاجتماع، أنها لن تكون عائقا بوجه الإجماع العربي، لكن موقفها من النظام السوري لم يتغير، وأنها تربط ذلك بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب, المقصود من ربط الموقف القطري التطبيع مع النظام بـ«معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته» هو ألا تكون عودته إلى «الجامعة العربية» مكسبا مجانيا يقوم نظام الأسد بالتعويل عليه، كما فعل دائما، لتوظيف ما يصله، من أموال أو أفعال سياسية، في تدعيم منظومته الأمنيّة ـ العسكرية، وضمان استمرار كرسيّه، وقمعه للسوريين, أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لم يلق كلمته في القمة وغادر فجأة بعد أن ترأس وفد بلاده في قمة جامعة الدول العربية بمدينة جدة, وتغيب عدد من الزعماء العرب عن القمة، من ضمنهم رئيس الإمارات محمد بن زايد، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، وسلطان عُمان، هيثم بن طارق. وعلى مستوى المغرب العربي، يغيب العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. كما يغيب أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان , فيما ترأس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفد العراق لقمة جدة , ودعا الى عقد القمة العربية المقبلة عام 2025 في العاصمة بغداد, ودعا الجامعة العربية الى بناء تكتل اقتصادي متكامل , وشدّد على أهمية العمل العربي المشترك من أجل احتواء الخلافات , مرحبا بعودة سوريا الشقيقة إلى مكانها الطبيعي, قائلا من واجبنا ألّا ندع السودان الشقيق ينزلق إلى أتون الانشقاق والتناحر الداخلي، ونرحب بالمبادرات الداعية إلى إنهاء الاقتتال هناك, وتابع "نأملُ أن تنجح الجهود لتحقيق الاستقرار في ليبيا الشقيقة، ونستبشر خيراً باستمرار محاولات تحقيق السلام في اليمن الشقيق، ونجدد وقوفَنا مع أشقائنا في لبنان؛ من أجل تجاوز ظروفهم السياسية والاقتصادية, وأشار رئيس الوزراء الى ان "العراق سيستضيف مؤتمرات عدةً لوضع الحجر الأساسِ لمثل هذا التعاون، منها مؤتمر (بغداد 2023)، للتكامل الاقتصادي والاستقرار الاقليمي" مبينا ان العاصمة بغداد تتهيأ هذه الأيام لاحتضان مؤتمر طريق التنمية، ذلك المشروعُ الواعدُ الذي سيعززُ الروابطَ والمصالح الجامعة لشعوبنا, ولفت الى ان "دولاً عديدة استطاعت بناء تكتلات اقتصادية ناجحة، وهي لا تملكُ عناصر مشتركة بين أعضائها، لذا يجب أن نتحرّى كلَّ زوايا الترابط والتكامل الاقتصادي بين بلدانِنا
نهاد شكر الحديثي
التعليقات