.
.
  
.......... 
هالة النور
للإبداع
.
أ. د. عبد الإله الصائغ
.
.
د.علاء الجوادي 
.
.
.
.
.
.
.
ـــــــــــــــ.

.
.
.
.
.

..
....

.

  

ملف مهرجان
النور السابع

 .....................

.

.

.

 ملف

مهرجان
النور السادس

.

 ملف

مهرجان
النور الخامس

.

تغطية قناة آشور
الفضائية

.

تغطية قناة الفيحاء
في
الناصرية
وسوق الشيوخ
والاهوار

.

تغطية قناة الديار
الفضائية
 

تغطية
الفضائية السومرية

تغطية
قناة الفيحاء في بابل 

ملف مهرجان
النور الرابع للابداع

.

صور من
مهرجان النور الرابع 
 

.

تغطية قناة
الرشيد الفضائية
لمهرجان النور
الرابع للابداع

.

تغطية قناة
آشور الفضائية
لمهرجان النور
الرابع للابداع

 

تغطية قناة
الفيحاء
لمهرجان النور
في بابل

 

ملف مهرجان
النور

الثالث للابداع
2008

 

ملف
مهرجان النور
الثاني للابداع
 

            


القصر الراقص

رغد السهيل

ستنتهي الساردة من سردها وسأعود إلى مقهى الشاهبندر في شارع المتنبي، سيرحب بي القوم فأنا صديقتهم قصخونة بغداد، وسبق لنا التعارف، سيقدمون لي الشاي وسيسألونني عن حكاية اليوم،

سأقول لهم: هذه المرة لن أقص عليكم حكاية شعبية على القصخونة أن تواكب الحداثة، لذا قصتنا مختلفة: تتخيل عزيزي المستمع أنك تقرر الهجرة من وطنك، فتجلب خريطة العالم وتفرشها أمام ناظريك، وتؤشر بقلم الرصاص على هذه الدولة وتلك، وتظل تفتش فيها باحثا عن وطن بديل، يحمل المواصفات كافة التي ترغب بها، فأنت تريد وطنا يوفر لك أمانا ولا يتم فيه خطفك كما يحصل مع الكثيرين من أصحابك، فيكبدهم ذلك دفع فدية من آلاف الدولارات، تحدد شروطك أولها امتياز الوطن البديل بطبيعة خلابة تخفف عنك وطأة الغربة، وطقس معتدل فلا هو شديد الحرارة ولا قارص البرودة، ويقدم لك خدمات أساسية مثل توفر للمياه والكهرباء من دون صداع المولدات ومشاكلها وقبح تشابك أسلاكها، تريد وطنا يقدم لك الخدمات الصحية أيضا فينأى عنك قلق الأمراض وانعدام الدواء وفقدان اللقاح، ولعلك تريد وطنا تستطيع أن تزاول فيه الأعمال الحرة من دون أن يطلب منك أحدهم رشوة ليسمح لك بالعمل، أنت تحلم أن تكون إنسانا يحتفظ بكرامته فحسب··

لهذا تضع بلدان العالم تحت المجهر وتدرس أوضاعها وشؤونها، وأخيرا تختار وطنا في الشرق الأوسط قريبا من أهلك ومحبيك لتغدو زيارتهم لك قضية سهلة، ثم تحزم أمرك فقرارك لا رجعة فيه·· تتخيل أنك تبيع سيارتك وبيتك، لنفترض أن هذا إرث من أهلك، وتعمل على تصفية أمورك كافة، وتودع أهلك ومحبيك وأصدقاءك ومعارفك وجيرانك، وتمسك نفسك عن البكاء لفراقهم، ولأن قلبك قوي لن يستجيب لتضرع هذا العزيز أو رجاء ذاك، فالأمل يداعب روحك في العثور على وطن بديل تخلقه لنفسك، أنت تبحث عن الكرامة الإنسانية فحسب، ولم يخطر ببالك أن شؤونا موسيقية تافهة ستدمر حياتك وتنتظرك!·· تتخيل أنك تنجح في تحقيق مرادك، وطريقك مفروش بالورود والتسهيلات أكثر مما تتصور، فأنت إنسان مرضي عليه من والديه المرحومين، وتؤمن أن العناية الالهية ترافق أحلامك وتؤيد مسعاك، حتى إنك تكرر الآية القرانية {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(1) ،

وتعتقد أنك ستعيش مرفها وستخط لنفسك درب السكينة وراحة البال، خصوصا وأنت في أوج شبابك ولست متزوجا، بمعنى أنك مسؤول عن نفسك فحسب·· وتتخيل أنك تشتري في تلك البلاد شقة صغيرة جميلة، تعثر عليها صدفة معروضة بسعر مغر للغاية مقارنة بموقعها الخلاب الرائع، فهي تطل على البحر الذي يمتد أمامك بمنظره الساحر، وتقفز فيه الدلافين لاعبة بين آونة وأخرى، والنوارس كمظلة بيضاء فوق البحر، وتطل واجهتها الخلفية على حديقة غناء واسعة تضم شتى أنواع الزهور والأشجار لمنزل كبير يبدو كقصر باذخ الفخامة، فتستمتع بإطلالة شرفتك بما تبصره من طبيعة بهية، خصوصا وأنها في الطابق الرابع، فيمنحك الارتفاع رؤية كاملة لكل هذا الجمال الفتان، وكم أنت محظوظ فشرفتها تواجه هذا كله دونا عن باقي شقق البناية، فتنتعش روحك وتطمئن نفسك، فتصلي لله صلاة الشكر، وتتمنى لو أن أصحابك معك لتستأنس بهم لكن لا بأس سترسل لهم دعوة، وتلاحظ أن جارك يسدل ستارة كبيرة حول سياج قصره فحديقته تضم مسبحا واسعا عريضا وبناته الجميلات يسبحن يوميا فيه، وهو لا يرضى أن تقع عيون الفضوليين عليهم، ولكونك في الطابق الأخير فأنت قادر على استراق النظر إلى الشقراوات الرشيقات الحسناوات وهن يقفزن في المياه، وتلتقط أذناك ضحكاتهن مع بعضهن، تصفهم أنت بعصافير الجنة، فتلتزم شرفتك في الأيام الأولى فالدلافين تتقافز في الخلف، وحوريات البحر يسبحن أمامك وسط الحديقة الغناء، ولم يخطر ببالك أن هذا الموقع سيسلب منك النوم، وسيسبب لك الأرق المزمن !·· تتخيل أن جارك له ولد يافع يعشق الموسيقى الصاخبة،


وفي الليلة الأولى لانتقالك إلى شقتك السعيدة الفريدة يتُحفك بسهرة عظيمة، وهو يجمع كل أصحابه من الشباب والشابات وسط تلك الحديقة البديعة، حيث تنساب الإضاءة الملونة من كل الجوانب، فيضرب لون لونا آخر وتنعكس الأضواء بصورة متداخلة مع بعضها، كأنها نجوم ملونة تطفو في الهواء وتتماوج راقصة مع ايقاع الموسيقى، فيرقص القصر الذي أمامك على أثرها، كأنك تجاور قاعة ديسكو، تجد نفسك في عالم من الأحلام الرومانسية، وتسمع الحضور وهم يمرحون بأصواتهم الصاخبة، تراهم من شرفتك يرقصون رقصا غريبا، فتتهم نفسك بالتخلف لأنك لم تواكب هكذا رقصاً، فهم يقفزون ويصيحون معا ثم يصفقون ويتمايلون ويسيطر عليهم الطرب منتشين بما يحتسونه من خمر، وقد يقفز أحدهم وسط المسبح ويتعالى عليه الصياح والضحك، تراقب ما يحصل عند جارك، فتظن أنه يرحب بك كجار جديد، وما هذا إلا احتفال بقدومك، فالجار المضياف الكريم يحتفي بوجودك عن بعد، لم يوجه دعوة إليك لأنه يقدر حجم انشغالك في  ترتيب شؤونك، ليرحب بك بطريقته الخاصة اللطيفة الظريفة! تتخيل أن اليافع ابن جارك يواصل إقامة حفلات الهرج والمرج في الليالي اللاحقة، فتعتقد أن واجب الضيافة أسبوع عند بعض الأمم، تحاول أن تبتهج وتطرب معهم من موقعك، مقدرا لهم كل هذه الكياسة واللطافة، لكن الصخب الليلي يتواصل رغم انقضاء الأسبوع الأول، تتقبل الأمر برحابة صدر في البداية، فعلى الغريب أن يكون أديبا، هكذا يقول لك المثل الشعبي في بلادك الأصلية، تقنع نفسك أنهم سيكفون قريبا، وتضحك على نكاتهم البذيئة التي تصل إليك بوضوح، تصفهم تارة بالمستهترين، وتارة أخرى يستميلك الطرب فتغني وتتمايل أنت الآخر كأن للرقص عدوى تصيبك كلما تقف في شرفتك، لكن الأمر يتجاوز حده، تغلق باب شرفتك فيصلك ضجيجهم وصخبهم الذي لا ينقطع حتى مطلع الفجر، فتفقد القدرة على النوم، خصوصا وأنك تعود متعبا من مكتبك التجاري وتحتاج راحة في بيتك، وأي ضجة بسيطة حولك تسبب لك الأرق·· تحتار بأمرك، ما الذي ستفعله؟

تتخيل أنك تستفسر من حارس البناية عن حقيقة الأمر، فيخبرك أن هذا القصر معروف في المنطقة بلقب القصر الراقص، فصاحبه مسؤول في الدولة وولده مستهتر لا يقوى أحد على ردعه عن تصرفاته الطائشة الفاسقة، وأن الجيران يشتكونه لمركز الشرطة دائما، فيكتب أبوه تعهدا خطيا بالكف عن إزعاج الآخرين، لكن الولد لا ينصاع ولا يحترم أحدا، ولأن الجيران يعرفون موقع أبيه في الدولة يكفون عن الإلحاح في الشكوى ليأسهم، ويرضخون للأمر الواقع، متكيفين معه بالصمت، ويضيف الحارس إن مشكلتك الحقيقية هي في موقع شقتك بالذات، فهي الأقرب لهذا الجار المنحرف، ولهذا السبب يكون ثمن هذه الشقة بخساً للغاية! يتمكن الغضب منك، لكنك تؤمن بقوة القانون وعلى الجميع احترامه في كل مكان وزمان، فتراجع مركز الشرطة القريب عليك شاكيا من صاحب الضوضاء الليلية، فيخبرونك أن قضية هذا الجار مشهورة في المنطقة كلها، وعليك جمع التواقيع من جميع الجيران في شكوى واحدة لرفعها إلى الجهات المختصة، تتأمل خيرا لكنك تواجه الخيبة حين تجد إجماعا من جيرانك على الرفض، فهذا المنحرف أبوه مسؤول كبير في الدولة، والأولى أن يبتعدوا عن المشاكل مع أبيه، حتى إن أحدهم يزعق في وجهك: تلك مشكلتك وحدك ولا علاقة لنا بك! تتخيل أنك لم تجد حلا سوى محاولة حل الإشكال وديا، فترن جرس باب الجار طالبا منه الكف عن الصخب كل ليلة، فلا يُطَيب خاطرك لا بشر ولا حورية، فالحوريات يتقافزن في المسبح منشغلات بمرحهن، ولن يفتحن لك وهن بثياب السباحة، وينام باقي أهل القصر طيلة النهار ويسهرون في الليل، تعاود الكرة مساء فلا يرد عليك أحد لأن الموسيقى الصاخبة تمنعهم عن سماعك، تقذف حجارة كبيرة على الستارة الفاصلة بينك وبين حديقة جارك في محاولة منك للفت انتباهه، فتسبب شقا كبيرا فيها، ثم يصلك صباح اليوم التالي استدعاء لمركز الشرطة، فجارك يطالبك بتعويضه عن تمزيقك للستارة، تخبرهم أنه جار مزعج لا يحترم جيرانه يفتعل الضوضاء كل ليلة، يقولون لك تلك قضية وهذه قضية، عليك دفع التعويض المالي الآن وإلا سيتم سجنك، ترضخ للأمر، تكرر المحاولة مع جيرانك الباقين لرفع الشكوى الجماعية، فتجد نفسك تدور في دائرة لا منفذ للخروج منها، تحصل على هاتف جارك تكلمه بأدب طالبا منه حق الجار على الجار، فينهرك مهددا إياك ومتوعدا: أنا حر في بلادي وقادر على طردك من هنا، لتحترم نفسك! تتخيل حجم يأسك وفداحة خيبتك، والقصر الذي يجاورك لا يتوقف عن الرقص، وينقلب نهارك ليلا وليلك نهاراً تسبح فيه الموسيقى والجلجلة، تتمنى حينها لو أنك في بلادك لتكسر عظام صاحب هذا القصر،

وترسل له كل عشيرتك ليحملوه هو وولده المنحرف ويرموه وسط المسبح، لو أنك في بلادك لعلمته درسا لن ينساه فلن تضيق بك السبل أبداً حتى لو صنعت قانونك بيدك، أنت في بلادك تعرف جميع الدروب للتعامل مع شتى أصناف البشر، لكن ما عساك أن تفعل فمن يهجر وطنه يقل قدره، وهكذا ستصبح شقتك الرائعة نقمة عليك، بسبب يظنه بعضهم تافها بينما هو يؤرق لياليك، ويغرس بين جفنيك الشوك، لعلك ستعرض شقتك للبيع بأبخس ثمن وترضى بخسارتك، فالمهم أن تتخلص من سخافة هذه الورطة الموسيقية الليلية! لماذا تتخيل عزيزي المستمع؟ ولتحمد الله لم يحدث لك هذا، حتى لو تظل الأفعال مضارعة!   

رغد السهيل


التعليقات




5000