قراءة نقدية لمجموعة ( هذيان يقظ) للشاعر قاسم سهم الربيعي
قراءة نقدية لمجموعة ( هذيان يقظ) للشاعر قاسم سهم الربيعي
( التحسس الشعوري للمفردة اللغوية و أنساقها الإيحائية )
حين تبحث عن الطاقة الشعورية التي تستنهض قدرة الشاعر على الوصول الى الدلالات التي يحددها المعنى الذي يريد ان يحققه من خلال نصه الشعري ، وكذلك هي التي تحدد الخيال الشعوري لدى كل شاعر ،فكلما كانت هذه الطاقة واسعة وثرية بالمعرفة الثقافية تعطي الشاعر المقاربات التحسسية تجاه الأشياء ومسمياتها وفق التعبير اللغوي من خلال لسانية الفكرة الصورية ، التي تحقق الرؤية الشعرية وضمن نسق أسلوبه الذي يحدد له الكثير من التفاصيل لحظة التوهج الشعري لديه ، لهذا علينا أن ندرك مقدار ما يستطيع هذا الشاعر أن يحدث المقاربة الكبيرة بينه وبين هاجسه اللغوي التي يموضعه ضمن فكرة النص الذي يحاول من خلالها أن يحقق ما يريد أن يوصله الى المتلقي ، دون الابتعاد عن البؤرة النصية لديه ، و يكمل المعنى ضمن أنساقه التي يرى بها ما يريد أن يطرحها ، دون التشتت عن هذا الهاجس ،ما يعطيه التعبير الصادق في أسلوبه الشعري ، وكذلك تبين قدرة الشاعر على مراوغة اللغة ضمن انزياحها الفني البلاغي ، لكي تحقق له فكرته الرؤيوية ضمن حالات التأويل الدلالي المتأزم داخل شعوريته التحسسية أتجاه المفردات اللغوية ، والمراوغة هنا هي قدرته على الحفاظ على أنساقه الصورية الإدراكية بنسق المقاربة لمفردته اللغوية باعتبار اللغة هي كائن الشعر ، لأن المضمون لا يتحقق إلا وفق أنساق اللغة ومقارباتها الحية في تحسسه الشعوري للمفردة اللغوية و أنساقها الإيحائية ضمن فكرة مضمون النص ، ما يكمل عنده القدرة على التعبير الفني ضمن شروط النص النثري ، عكس ما نراه الآن حيث تحولت القصائد الى تركيبات لفظية لا ضابط لها ولا قياس ، والشاعر قاسم سهم الربيعي من خلال مجموعته ( هذيان يقظ ) أستطاع أن يحقق للمفردة اللغوية غايتها في تكوين المعنى ضمن أنساقه الفكرية ، و أعطي المفردات التقارب الكبير الى هاجسه الشعري وخياله الشعوري الصوري الدلالي ما جعل نصوص المجموعة متماسكة من حيث التعبير الإيحائي التأويلي، وحولها الى تحسس شعوري معبر عن كل ما يشعر به، بحيث أصبحت هي المعبر عن مشاعره الوجدانية بشكل دقيق ، دون زوائد أو أضافات التي لا داعي لها في كتابة قصيدة النثر ...
نص (هلوساتُ محمومٍ… ) ص 13
(حُمىً تلْتحفُني.. /تسْحقُني.. /تحتويني قشعريرةٌ.. /تصطكُ أسناني .. /تهتزُ فرائصي.. /يحمُلني غثياني الى /بحرٍ مجهولٍ … /أرى نملةً تكبرُ .. تصيرُ /قطاراً ../ما أوجه الشبهُ بينهما ؟!... /ظنوني ترتابني /حدَ الجزعِ… /الكونُ أصفرُ.. /لماذا يتغيرُ في /نظري؟…/تتموجُ الغرفةُ ../تغزلُ في رأسي؟…/ينتفخُ سحري جبناً /من الآتي../بالكاد التقطُأنفاسي…/وهنٌ يعتريني…ياه ؟!.. /أتراني عبرتُ الى /ضفةِالشيخوخةِ ؟.. )
(حمى تلتحفني../تسحقني.. /تحتويني قشعريرة../تصطك أسناني .... /تهتز فرائصي.. /يحملني غثياني الى /بحر مجهول المعالم…/أرى نملة تكبر .. تصير /قطار .. )
حين يصل الإنسان الى مرحلة يدرك من خلالها أن كل ما يعيشه في حياته هو مجرد هذيان حين يلتصق بداخلة البحث عن معنى لحياته التي يريد أن يصل إليه ، لعدم ثبات القيم الحقيقية فيها وهذا ما يدعوه، الى البحث عن أسئلة مصير الإنسان وسط تراكمات الحياة المتناظرة مع هذه الذات ورؤيتها بفقدان هذه القيم، التي تحرك الحياة نحو الأمل المنشود ، لهذا يشعر بالتيه و الانسحاق والغثيان الى حد تهتز فرائضه ، وتتلاشى صورة الحياة داخله في مجهولية مصيره ، ما يؤدي الى التداعيات الذهنية في تحسس ذاته أتجاه ما يريد أن يحققه في الحياة مع كل مسميات التي ينتمي إليها ، ما يدخله في حالة من الهذيان الوجداني الى حد يرى النملة تصير قطارا ما يجعله يطرح انتكاس الإنسان وسط صرعات العالم الداخلي مع التهميش الذي يحدث له في الحياة ...
(ما أوجه الشبه بينهما ؟!.../ظنوني ترتابني /حد الجزع…/الكون اصفر.. /يتغير في نظري؟…/تتموج الغرفة .. /تغزل في رأسي… /ينتفخ سحري جبناً /من الآتي..)
يتنامى شعوره بالانسحاق والانتكاس أتجاه ما يراه في الحياة حوله ، فيفقد عنونة الأشياء ومسمياتها الحية ، حتى يشعر أنه أخذ يفقد هذه الأشياء و يدخل في مرحلة الشك والظنون التي تنتابه وتسحقه من الداخل ، حيث أصبح كل شيء حوله غير واضح ، ما يؤدي الى فقدان حسه المتشاعر وفقدان الاتصال مع كل الموجودات ، و يصبح العالم اصفرا ، أي لا وجود له في تناظره مع إحساسه الداخلي ، فتتموج الغرفة ، لأن كل شيء حوله غير واضح وغير مستقر، وهذا ما أربك شعوره الإنساني الداخلي ، وتصبح ساحات رأسه ساحة الأسئلة الوجودية عن قيمة الإنسان وأهدافه التي يعيش من أجلها ، والشاعر قاسم هنا أستطاع أن يعبر بشكل رؤيوي عن الإنسان المحاصر من الداخل بأسئلته عن ماهية الحياة وقيمها حين لا يمتلك هو أي شيء حوله ، وهذا هو أقصى حالة الغربة الوجودية التي يعيشها الكثير في مجتمعنا ، الذين يشعرون بالانسحاق وعدم قدرتهم على الاستمرار في الحياة لعدم امتلاكهم أي شيء من أجل أن يعيشون من أجله ، أي أنهم فقدوا الأمل بالحياة الكلي ، وهذا تراكيب صوريه وجدانية أستطاع الشاعر أن يحقق قدرته المتخيلة في رسم صورة الإنسان الذي يتداعى عنده كل شيء ويفقد الأمل والإحساس بالأشياء حوله ، لأنه لم يعد يملك أي شيء لهذا يبقى يسأل عن قيمة الآتي إذا هو لا يمتلك حاضره ...
(التقط انفاسي…/وهنٌ يعتريني…/ياه ؟!../أتراني عبرت الى /ضفةالشيخوخة ؟.. )
ويستمر الشاعر بطرح الصراح النفسي والفكري عن الأنسان الذي فقد كل شيء ، الى حد يشعر بالوهن ، بعد أن جعله هذا الصراع في حالة من التشظي والتيه والغربة الداخلية مع كل المسميات الخارجية ، لها يشعر أنه يعيش الشيخوخة أي أنه لم يعد يمتلك الأمل ولا ينتظر إلا النهاية لحيا ته ، والشيخوخة هنا هي حالة العجز الكلي بأحداث أي تغير في حياته ، لشعوره أنه فاقد كل شيء يستطيع من خلاله أن يحدث تغير في حياته ، لهذا يلتقط أنفاسه ويصمت لكي لا يحدث التصادم والعنيف والكبير مع الحياة ، ولكي يبرر أنه لا يمتلك أي شيء ، فيعتريه الوهن والسكوت عن التفكير في الحياة حوله ،لأنه عاجز عن تغيرها باتجاه الذي يريد لانه فقد الأمل ووصل الى ضفة الشيخوخة .
نص ( هذيان يقظ) ص30
(هَوَسٌ في هَوَسْ.. /دوي صَمْتٍ يخترقُ /الوجدان.. /يُزَلْزِلُ الأعماق... /عَسْعَسَةٌ .. تكادُ جدرانُ /الغرفةِ تطبِقُ على /جسدي.. /وشْوَشَةُ هَمْسٍ.. /حشرجةٌ تكتظُ في الحناجر... /أفراحُ وشموعُ ألأهلةِ تقوضُ أعمارَنا.. /سنونٌ تُضَرِّسُنا بأنيابها /تطحنُنا كالرحى.../تُحلقُ ذاكرتي في سالفِ /الأيام.. /حيثُ (صِريفةُ) أهلي المتهرئة /كثوْبِ العوز../(الصوباط) و (مَهَفَةُ) أبي /التي تستجدي النسماتِ في /قَحَطِ القيظ.. /(چاي خانة) (جابر) ../عبقُ الشاي المنبعث من /موقدِ الفحمْ.. /(قوري الشاي الزجاجي) ..المُرَفَلِ /بأسﻻكِ الألمنيوم كثوبٍ مرقعْ.../(دكانُ أمِ جاسم ) ووجهُها الأسمر/المتجهمْ.. /عيناها الجاحظتان وأنفها /الكبيرْ../زوجُها صاحبُ التمائم والغضاراتِ /المتدلية من طاقيتِهِ كالأطفالْ ../صورٌ كثيرةٌ تُداهمني ../أتقلبُ في أمواجِ الحمى/المتلاطمة.. /فقدنا آدميتنا؟../اورثنا قابيلُ الوحشية../هابيلُ أورثنا القرابين../يا ميكيافيلي مازالتْ شرورنا /مستحوذةً علينا.. /ياهوبزْ ذئبيتُنا تحاصرُنا.../أُخوةُ يوسُف صاروا أنبياءْ .. /زُليخةُ تحقَقَتْ أمانيها../ﻻ توصدوا الأبواب أو تتألهونْ.../أيها الغابرون عبرَ طياتِالزمن../لماذا صوركُم تتراءى إلى/خلدي؟ .. /لماذا أنا؟../من أنا؟../أيْنَ أنا؟../هل أنا أنا؟..)
الذي يميز نصوص الشاعر قاسم سهم هو قدرته على إظهار الصراع الداخلي لإنسان ومطابقتها مع تحسسه الخارجي أي: تحويلها الى طاقة شعورية التي تخضع الخيال الشعوري والتي تحدد الحالة الفكرية التي تعطي النص الشعري تمازج كلي ما بين التعبير عنه من خلال اللغة ومفرداتها المقاربة لتحسسه الداخلي و من خلال منطق الترابطي ،و وفق التداعي الذهني لفكرة النص والذي من خلاله يشكل البنية النصية ، والتي تمثل البنية اللسانية وحسب انساق الزمن ورموزه الساكتة داخله ,هذا ما يجعل لغته تتحرك ضمن أنساقه في تركيب اللغة وفق اصواتها اللسانية الاستعارية الإيحائية ، وهذا هو الذي يكون خطابه الشعري ، أي : أن قصائده تبدأ من الداخلي الى مظهرية الحياة ونواميسها ، وهذا هو الذي يشكل التصادم الشعوري الرمزي مع تحسسه الخارجي ، وقد أستخدم الأبعاد المخزونة داخله كرموز تعطيه التجذر في تكوين الرموز الخاصة به ، ونستطيع أن نحدد العمق النفسي لطاقته الشعورية الرمزية( الرحى ، صريفة ، الصوباط ، مهفة ،جاي خانة ، قوري الشاي الزجاجي ) أي / حول ما هو عالق في ذاكرته الى رموز حية يطابقها مع الواقع الخارجي المستظهر حوله ، لكي يبني الجملة الهرمية لكل انتماءاته الحية في الحياة ، وما يجعل زمن الماضي ينضج داخله كصور تتداعى في بصرية فكرته حول تكوين النص الشعري المقارب لكل مشاعرة الباقية داخله ، وما يخلق عنده تضاريس الأفكار التي تتعارض مع واقعه الحالي من هوس الذي يزلزل وجدانه ، وكأن الذكريات ما هي إلا العمق الذي يشعر به ، فتكون كما أكد عليها ( تحلق ذاكرتي في سالف الأيام ) ، وهذه حالة الهروب من الحاضر الى الزمن القديم في ذاكرته ، لأنه يشعر أن ما يعيشه الآن ، لا يعطيه الحياة التي ينشدها برغم ما في الماضي من مرارة لكنه يبقى هو الأجمل ( سنون تضرسنا بأنيابها / تطحننا كالرحى ) مع كل هذا يبقى الماضي من الذاكرة هو الذي يريد أن يعيشه (هَوَسٌ في هَوَسْ.. /دوي صَمْتٍ يخترقُ /الوجدان.. /يُزَلْزِلُ الأعماق... /عَسْعَسَةٌ .. تكادُ جدرانُ /الغرفةِ تطبِقُ على /جسدي.. /وشْوَشَةُ هَمْسٍ.. /حشرجةٌ تكتظُ في الحناجر... /أفراحُ وشموعُ ألأهلةِ تقوضُ أعمارَنا.. /سنونٌ تُضَرِّسُنا بأنيابها /تطحنُنا كالرحى.../تُحلقُ ذاكرتي في سالفِ /الأيام.. /حيثُ (صِريفةُ) أهلي المتهرئة /كثوْبِ العوز../(الصوباط) و (مَهَفَةُ) أبي /التي تستجدي النسماتِ في /قَحَطِ القيظ.. /(چاي خانة) (جابر) ../عبقُ الشاي المنبعث من /موقدِ الفحمْ.. /(قوري الشاي الزجاجي) ..المُرَفَلِ) ويبقى الشاعر يعيد الماضي كأنه عنصر الحياة التي ينشدها ( دكان أم جاسم ) ويستمر يعيد كل الرموز التي يرى فيها الحياة الحقة (فقدنا أدميتنا /أورثنا قابيل الوحشية /هابيل اورثنا القرابين) ،والشاعر هنا يعيش التداعي البصري وفق لسانية فكرته التي تحددها تيارات الوعي مع رموز اللاوعي ، بهذا هو يشكل نسيجه الشعري وفق طاقة التذكر ، هروبا من الحاضر المزدحم لكل ما هو مغاير لإحساسه الداخلي ، ونشعر هنا أن الشاعر يصرخ بوجه الحاضر الذي دمر كل شيء ، حيث تحول كل شيء الى استحواذ وشرور وأصبح الإنسان غايته المصلحة الخاصة به ولا تفكر بغير هذا ، لأن أصبحت الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت التضحية بالأخرين من أجل هذه المصلحة كما هي في أفكار ميكيافيلي (يا ميكيافيلي مازالتْ شرورنا /مستحوذةً علينا..)
(بأسﻻكِ الألمنيوم كثوبٍ مرقعْ.../(دكانُ أمِ جاسم ) ووجهُها الأسمر/المتجهمْ.. /عيناها الجاحظتان وأنفها /الكبيرْ../زوجُها صاحبُ التمائم والغضاراتِ /المتدلية من طاقيتِهِ كالأطفالْ ../صورٌ كثيرةٌ تُداهمني ../أتقلبُ في أمواجِ الحمى/المتلاطمة.. /فقدنا آدميتنا؟../اورثنا قابيلُ الوحشية../هابيلُ أورثنا القرابين../يا ميكيافيلي مازالتْ شرورنا /مستحوذةً علينا..) ويستمر الشاعر رافضا لكل ما هو حاضر لهذا يبقى متعلقا بماضيه الذي عاشه ، والذي يبقى خالدا في ذاكرته ،فيطرح السؤال على حاضره ، لكي ينفي تأثره به ، وليبقى يعيش الماضي ما يحتويه (/لماذا أنا؟../من أنا؟../أيْنَ أنا؟../هل أنا أنا؟..) وهذا تأكيد دلالي و الذي يحقق التأويلي الشعوري أن الحاضر ما هو إلا خراب والبعيد عن ما يريد أن يعيش
لأن كل شيء تحول الى حالة متناقضة ما يجب أن يكون عليه من أخوة يوسف الذين صاروا أنبياء ، أي تحولت الحياة غير ما مان يريد أن يراها ويعيشها (ياهوبزْ ذئبيتُنا تحاصرُنا.../أُخوةُ يوسُف صاروا أنبياءْ .. /زُليخةُ تحقَقَتْ أمانيها../ﻻ توصدوا الأبواب أو تتألهونْ.../أيها الغابرون عبرَ طياتِالزمن../لماذا صوركُم تتراءى إلى/خلدي؟ .. /لماذا أنا؟../من أنا؟../أيْنَ أنا؟../هل أنا أنا؟..)
نص (هرطقةٌ…) ص 34
(ْإبتلعْ لسانَكَ .. /لاتُحدِّثْني عن التأريخِ../فقدْ أكلَهُ المجهولُ../هرطقةٌ ../بينَ الماضي والحاضرِ /لا أحدَ يسْتَحقُّ الضَّجرَ../دائماً تسْتبْدِلُ الأفاعيُّ جلودَها../لفظتْهُمُ الأقنعةُ ../يركضونَ القهقريَّ /تزمُّلوا من دونِ أبيهم ../رحمَ اللهُ فرويد ../حينما قالَ ………........./ولكنْ لماذا ؟!……)
ويستمر الشاعر قاسم باستخدام التضاد الدلالي ليبني جملته الشعرية وحسب تراكم الحس الشعوري داخله وحسب المعاني الوجودية الحاضرة حوله ، وكأنه يريد أن يؤكد بعدم تصديقه ما تحول له الحاضر من التحول الى الأسوأ في كل شيء ، والشاعر أستطاع أن يعطي نصه الشعري صور واستعارات مجازية ، ما جعلت النص ذات قيمة حضورية برموز الحاضر وفق تداعي الماضي ، لأن الحاضر قد اصبح مشوش غامض ومجهول ضائع القيمة والحقيقة ، وحتى حالة الأيمان الذين يدعون بها ما هي إلا هرطقة، لا رابط لها مع التاريخ ، فلا يوجد رابط ما بين الحاضر والماضي لأن كل شيء أصبح عكس ما كان في التاريخ الإنساني ، فكل أصبح يلبس الأقنعة وينزعون جلودهم كالأفاعي ، وبهذا أعطى القناعة التأويلية . أن الحاضر لا يمثل الماضي بل هو ارتداد معكوس له والكل يركضون القهقري أي : يركضون عكس الحقيق والانتماء الحقيقي وقد تزملوا دون ماضيهم ،وقد حقق الشاعر التأويل الاستعاري بالترميز والتدليل لكي يحقق المقارنة ما أصبح عليه الحاضر من أخفاق ونشوز ، عكس ما يجب أن يصل إليه ، وما دلالة فرويد إلا تأكيد دلالي أن النفس الناس قد تغيرت وأصبحت خارج البعد الإنساني الحقيقي ، ولعدم استطاعته استيعاب ما يحدث حوله ونفوره منه ختم نصه ( لكن لماذا ) كأنه يسأل باستغراب وعدم تصديق ما يراه حوله ، لأن أصبح كل شيء حوله خارج البعد الإنساني الذي يؤمن به ، وبهذا حقق التمفصل الدال على ما يعيش من توترات فكرية ، جعلت من نصه خاضع لإيقاع داخلي ، التي من خلاله نظم الشعرية لخطابة الشعري الدلالي .
والشاعر قاسم سهم الربيعي أستطاع أن يماثل المقاربة بشكل كبير للإنسان الذي يفقد الأمل بالحاضر لأنه لا يمثل الماضي الذي عاشه وفق إرهاصاته الذاتية ، وقد نبنى نصه وهذا نصه على الحوارية مع الذات حين تشعر بمجهولية الحياة وفقدان الأمل وعدم القدرة على تغيرها ،وقد حقق الشاعر كل هذه من خلال الاستعارة التخيلية ضمن الحس الوجودي للإنسان ، أي أن النص حقق التأويل الدلالي من خلال إعطاء البعد للوعي الداخلي حين يتهمش الإنسان ، ولهذا يجد العزلة داخلة عن حاضره لأنه خارج ما كان يحلم وقد أصبحت أحلامه متشظية في وجوده كإنسان ..نص متوهج خلق التوحد العضوي للبؤرة النصية في النص الحديث ، بلغة هاجسيه حدثت المقاربة الكبيرة بين حسه الشعوري الإنساني وبين فكرته الذي بينها من خلال أحدث الانزياح الأحيائي التأويلي لقضية الأنسان الذي يجد الحاضر ما هو إلا تهميش لكل القيم الحقيقة التي ينتمي إليها وسط فقدان الأمل أن القادم افضل ما يعيش في حاضره ، وبهذا هو شكل نص شعري خاضع كليا لتجاربه و معاناته في الحاضر وفق أنساق الماضي في الذاكرة ، فكون خطابه الشعري ضمن مضاعفة توتراته الداخلية التي أعطته رموزه حسب التذكرو تشكيلاتها الباقية في ذاكرته .
عباس باني المالكي
التعليقات