المطلوبُ دولياً بصراحةٍ ووضوحٍ من الانتخابات الفلسطينية
لا يكذب علينا أحدٌ ولا يخدعنا، ولا يحاول أن يبيعنا الوهم ويسوق بيننا
السراب، ويعدنا بالتغيير ويمنينا بالإصلاح، ويزين لنا الأهداف ويجمل لناالنوايا، فلسنا بالخبء ولا الخبء يخدعنا، ولسنا سذجاً ولا سفهاء، ولسنا بسطاءولا بلهاء، فالشعب الفلسطيني فطنٌ ذكيٌ، واعٍ مدرك، ويقرأ ويفهم، ويعرف ماالذي يدور في خلف الكواليس ويدبر في الخفاء، وماذا يخطط له في الليل والنهاروفي السر والعلن، ولهذا فقد يصعب خداعه ولا يسهل قياده، وإن أبدى حيناً ليناًفهذا لا يعني أنه صَدَّقَ الوعود وسَلَّمَ بالأماني، ولكنه شعبٌ يتوق إلىالتغيير ويتطلع إلى المستقبل، ويأمل في الإصلاح ويتمنى المحاسبة ومحاربةالفساد، ويريد تقديم الأكفأ وإقصاء الأسوأ، في إطار خدمته وتسهيل سبل معيشته،تمهيداً لاستعادة حقوقه وتحرير أرضه وبناء وطنه.الانتخابات الفلسطينية المزمع إجراؤها في الأشهر القليلة القادمة ليستاستحقاقاً وطنياً، ولا هي استجابة للرغبة الشعبية، ولا التزاماً بالديمقراطيةوإيماناً بها، ولا هي حرصاً على التجديد والتبادل السلمي للسلطة، والمشاركةوالواسعة وضخ المزيد من الدماء الشابة والمتفتحة في هياكل السلطة الفلسطينيةومنظمة التحرير الفلسطينية، فهذه المطالب الشعبية المحقة والمشروعة مطالبٌقديمةٌ، وحاجاتٌ أصيلة ومشروعة، وقد نادى بها الشعب، وناضلت من أجلها قواهوفصائله، ولكن أحداً لم يستجب لها أو يصغي إليها.لا شيء من هذا أبداً في ذهن القائمين على الانتخابات الفلسطينية والساعين لها،الذين طاب لهم المقام في السلطة أكثر من خمسة عشر سنةً، فلا يدور في خلدهمأبداً أن يتخلوا عنها أو يتنازلوا لغيرهم، لولا أنه أُحيطَ بهم وضُغطَ عليهم،وطُلِبَ منهم أو أُمروا به، فهم مجبرين على الانتخابات ومساقين إليها سوقاً،ومكرهين عليها وغير راغبين فيها، ولولا الضغوط الدولية والأهداف المطلوبةمنها، ما استجابوا لها ولا قبلوا بها، فهي تضر بهم وتهدد مستقبلهم جميعاً، إذسيغيب بعضهم وسيحاسب آخرون، وسيخسر الكثير منهم صلاحياتهم وامتيازاتهم،وسيفقدون حصاناتهم ومراكز قوتهم، فلماذا يغامرون بمستقبلهم ويقامرونبمكتسباتهم، لولا أن السيد الذي يحركهم أمرهم، والدول التي تمولهم أجبرتهم،والنظام الذي يقبل بهم هددهم.لم يعد خافياً أن السلطة الفلسطينية قد تعرضت لضغوطٍ دوليةٍ وتهديداتٍأوروبيةٍ لإجبارها على إجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ فلسطينية، وثالثةللمجلس الوطني الفلسطيني، لتجديد الشرعية الفلسطينية على قاعدة أوسلو، التيتقوم على الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتشكيل حكومةٍ فلسطينيةٍ تعترف بمبادئالسلام، وتلتزم بشروط التسوية، وتقبل بشروط الرباعية الدولية، وتقوم بتمثيلالشعب الفلسطيني في مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، على قاعدة حلالدولتين مع إمكانية إجراء تعديلات طفيفة وتغييرات شكلية ضمن ما يعرف بتبادلالأراضي وإزاحة الحدود، وفقاً للكثافة السكانية والاحتياجات الأمنية، معمراعاة الشرط الفلسطينية بأن يكون التبادل بالقيمة والمثل والقدر.تلك هي الغاية الحقيقية من الانتخابات الفلسطينية، وهي غاية سياسية محضة،وتتعلق باستمرار المفاوضات وإتمامها، وعلى أساس هذه الغاية والأهداف المرجوةمنها، سيتواصل الدعم المادي الدولي والأوروبي للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها،وإلا فإنها ستحرم وستعاقب، وبموجبها ستلتزم الحكومة الإسرائيلية بالحد الأدنىمن ضمان إجراء الانتخابات، على ألا يكون تدخلها بالاعتقالات المستمرة مخلاًبإجرائها أو معطلاً لها، علماً أنها تتفهم الدوافع وتؤمن بها وتسعى إليها،ولهذا فإنه من غير المتوقع أن تعرقلها أو تعطلها.ووفقاً لهذا الفهم الصريح والواضح فقد قامت السلطة الفلسطينية ممثلةً بحسينالشيخ برفع رسالةٍ تفصيليةٍ إلى هادي عمرو المكلف بملف المفاوضات الفلسطينيةالإسرائيلية، وقد كان معه واضحاً وصريحاً، وأكد له في المكالمة الهاتفيةوالرسالة الرسمية، أن الانتخابات الفلسطينية ستجري وفق التزامات منظمة التحريرالفلسطينية واتفاقياتها الدولية مع إسرائيل، التي تعني الاعتراف بها والتفاوضمعها، وأشار إلى أن الكل الفلسطيني ملتزمٌ بالمحددات السياسية الدولية التيأقرت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى أساسها ستشارك القوى والفصائلالفلسطينية المختلفة في الانتخابات القادمة.الإدارة الأمريكية الجديدة غير بعيدةٍ أبداً عن المواقف الأوروبية، فهي تتابعوتراقب وترسم سياستها المستقبلية، وتعد بألا تسمح بفرض أي حلولٍ أحاديةالجانب، ودول الاتحاد الأوروبي التي تمول السلطة وتدعمها، لا تقوى على القيامبأي خطوةٍ تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية بدون التنسيق الكامل مع الولاياتالمتحدة الأمريكية، التي أعلنت رفضها لسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وأبدتاستعدادها تقديم حزمة مساعدات سياسية ومالية في حال أفضت الانتخاباتالفلسطينية إلى تشكيل حكومة فلسطينية، تأخذ على عاتقها استكمال اتفاقية أوسلو،تمهيداً للوصول إلى حلٍ نهائي للقضية الفلسطينية، بما لا يتعارض مع الشروطالإسرائيلية، ولا يتصادم مع المعطيات والوقائع الجديدة سواء تلك التي خلقهاالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أو تلك التي تتعلق بالمستوطناتالإسرائيلية الكبرى. ينبغي على القوى الفلسطينية كلها ألا تدفن رأسها كالنعامة في الرمال، وأنتدرك حقيقة الغايات المرجوة من الانتخابات، وأن تحدد موقفها الوطني منها بناءًعلى ذلك، ولا يجوز لها أن تدعي عدم فهمها أو إدراكها لما يخطط للقضيةالفلسطينية، فالشروط واضحة جداً، والمطلوب منهم صريحٌ ووقحٌ للغاية، بل صفيقٌوقليلُ أدبٍ، ولعلهم اليوم في موقفٍ لا يحسدون عليه أبداً، فإما أن يكونوا معأمناء مع شعبهم ومخلصين في خدمة قضيتهم، ويعلموا أن الحياة وقفة عز وساعةكرامة، وإما أن يكونوا أدواتٍ رخيصةٍ في خدمة مخططاتٍ تضر بهم ولا تخدمقضيتهم، ويقبلوا العيش بذلةٍ والحياةَ بمهانةٍ، مقابل سلطةٍ واهيةٍ ورغيف خبزٍمشروطٍ، يذل ويهين، ولا يسمن من جوعٍ ولا يغني عن كرامةٍ.د. مصطفى يوسف اللداوي
التعليقات