صداقة الأحرار
لقد تدخل القرآن الكريم بكل مفاصل حياة الإنسان وبَيَنَ له ما ينفعه ومايضره وكيف لا وهو تبيان لكل شيء . ثم دعاهُ الى ما يُحيهِ والى ما فيه سعادته الأبدية فأمره بالتقوى لأن فيها نجاتهُ . وأحد هذه المفاصل هي العلاقات الإنسانية ومنها علاقة الصداقة. وقد رَغبتْ السنة النبوية في هذه العلاقة وبينت فضل وضرورة الأصدقاء في حياة الإنسان . ويتضح لنا هذا في حديث الامام الصادق عليه السلام حيث نُقل عنه أنه قال :
" لقد عظمت منزلة الصديق حتى أن أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم" وهذا ما صرحت به الآية المباركة (( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)) سورة الشعراء
ولكن من المذهل والمخيف حقاً ان هذه الصداقة في الحياة الدنيا تتحول الى عداوة في الحياة الآخرة وهذا بالطبع لايسُر الإنسان لأن الآخرة هي المستقر ودار بقاء وفيها ييحث المرء عن اي شيء يمكن ان ينجيه . ولايُستثنى من هذه العداوة الا جماعة واحدة من الأصدقاء هم فريق ( المتقين ) وهذا ما تؤكده الآية ٦٧ من سورة الزخرف (( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ))
لماذا كان الإستثناء للمتقين ؟ ماهو دور وتأثير الصداقة في تقرير مصير الانسان الآخروي من أن تجعله سعيداً أو شقياً ؟
الخليل هو الصديق الحميم الخالص لك الذي تخلل حبه الى قلبك ثم تحول الى مودة فأصبح يؤثر فيك وفي حياتك .
وللصديق أثر بالغ في تشكيل وتكوين فكر واخلاق صديقه وذالك لان الانسان في طبعه يتأثر بأقرانه وأصدقائه فيكتسب من طباعهم ونزعاتهم وإتجاهاتهم ما يتشكل منه فكره . ومن هنا تبرز أهمية أن يكون الصديق صالحاً مؤمناً تقياً يودك في الله جل وعلا. ومن لوازم الصديق أن يُعين صديقه في الدنيا على طاعة الله تعالى ولاتقيده عبودية الدنيا والمنافع الشخصية في هذه الرابطة الانسانية ليضحى هو وصديقه أحراراً متحابين في الله فيحظوا بعناية الله عز وجل وعند ذالك يكون جزاءهم أن يُبقي الله على خلتهم التي سوف تنجيهم يوم القيامة .
أما الآخر الذي يكون سبباً في شقاء وهلاك صديقه يوم القيامة هو الذي يعين صديقه في أمور لغير الله وليست لله ولم يُذَكّر بالله بعد أن فسدت عقيدته وانحرف فكره وغاب وعيه فَسَرَتْ هذه الامور في صديقه على نحو التأثر والاكتساب. فكان ظالم له حيث أعانه على الشقاء والعذاب الإخروي وسوف يجني الحسرة والندامة على صداقته يوم العرض على الله، ولات ساعة مندم ! فيصبح مصداقاً للآيات الشريفة من سورة الفرقان التي تصف حال الظالم يوم القيامة (( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي...))
من أجل ذالك عَظِمَ شأن المودة وخطرها في مصير الانسان الآخروي وهذا ما أبرزه حديث إمامنا الصادق عن جده صلوات الله عليهم "ودّ المؤمن للمؤمن في الله من (أعظم شعب الايمان ) الا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله "
فطوبى لمن كان من أصفياء الله !!
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الهداة .
———
توضيح : للموضوع فكرة واحدة ( أثر الصداقة في مصير الانسان ) لذالك لم أرَ ضرورة من تناول ما تحتملهُ الآيات الشريفة التي وردت بالمقال من تأويل اذا أُخذ بنظر الاعتبار سياق النص القرآني .
جنان نعمة
التعليقات