تركت عطرها ومضت
وقفت في باب الدكان وقبضت على شمعة ميلاد للبيع ،وقالت له بلهجة جنوبية :
- بيش ؟
وحين تلعثم لسانه ونطق حروفا متلاطمة ببعضها ، ابتسمت واستدارت وغادرت الدكان ، تاركة انفه يسبح في بحيرة من عطر ناعم فاح منها.
نسي الدنيا بمن فيها ، وحمل الشمعة ، وحمل معها حلما طارئا طلع عليه من بحيرة العطر تلك ، وترك الدكان الصغير واندفع بخطوات خجولة وراء هذه السائحة الجميلة .
عبر بضعة جبال عالية واجتاز اودية عميقة وسار في اراض سهلية ومر بمدن كبيرة وقرى لاحصر لها ، وهو يسأل عن فتاة ذات عطر خاص زارت الشمال ذات يوم .
في الصيف الثلاثين تعب من السير ،ونفد العطر ، وخارت اقدامه ، فقفل راجعا إلى عمره وطفق يلملم ماتساقط من سنواته ويرتبها في دكانه الصغير ، لعل عبيرها يفغم انفه ثانية ليبيعها ثلاثين شمعة احترقت من اجلها .
حسن عبد الرزاق
التعليقات