ليلة تسليم جلجامش لليهود؛ فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (25)
# تأويلات أسطورية عجيبة أخر :
------------------------------------
إقحام "التناص" الأسطوري القسري حتى في النقد الفنّي :
--------------------------------------------------------
حتى في كتبه ومقالاته المخصّصة للنقد الفنّي والأدبي ، يمارس ناجح هذا الإقحام القسري والمُفرط للموروث التوراتي اليهودي في كل ما يصادفه من عصي وحجارة وأشجار وأشخاص وأسماك وأيام وألوان . بل أن كل شيء في الحياة العراقية صار لزاماً أن تكون له أصول ومعانٍ توراتية يهودية ، أو العكس ، أو وجود علاقة ما ، بهما ، مهما كانت طبيعتها . فعلى سبيل المثال - وهذا المثال من بين عشرات الأمثلة - وبقدر ارتباط الأمر بكتابه "الأبيض كان أسود" (150) ، الذي يتعلق بنقد أعمال ثلاثة مصورين فوتوغرافيين عراقيين ، لننظر كيف يؤوّل ناجح معنى العصا التي كان كهلٌ بغداديٌ يتكىء عليها حينما صوّره الفنان الراحل "فؤاد شاكر" ، وهو جالس في أحد المقاهي .
يقول ناجح :
(أسطورة السبط يهوذا مع كنّته تمارا معروفة - ص 42) (151).
ناجح يقول عن "أسطورة" السبط يهوذا وحكايته مع كنّته تمارا إنها (معروفة) . وأنا أضع ألف علامة استفهام . فهي قصّة توراتية خاصة باليهود ، كيف هي معروفة لجميع القرّاء ؟!
يواصل ناجح القول :
(حيث كانت عصاه [= عصا يهوذا] رمزا ذكوريا واضحا ارتهنتها تمارا بعد ممارسة الجنس معها ، عندما وجدها عارضة جسدها كالبغي ، وتحوّلت عصا يهوذا دالاً على خصّبها ؟ وأنقذت نفسها من القتل - ص 42) (152).
ما هي علاقة عصا هذا الكهل البغدادي الجالس في المقهى بعصا السبط يهوذا وحكايته (المعروفة) مع كنّته تمارا في العهد القديم ؟
ما هي علاقة عصا هذا الكهل البغدادي الجالس متكئا عليها لتسند جسمه المتهالك ، بعيدا عن أي مشاعر جنسية أو إخصابية ، بعصا يهوذا ؟
أليس المفروض أن يؤخذ رمز العصا ضمن سياقه ؟ وضمن تفاعلات الكهل معها ؟ هل كل عجوز يتكيء على عصا ، تنطوي عصاه على رموز الخصب والجنس ؟
ونأتي الآن إلى السؤال الأهم والأخطر :
لماذا لا يخبرنا ناجح بتفاصيل هذه (الأسطورة) ، وهي "قصّة" توراتية - وليست أسطورة - حالها حال قصص القرآن الكريم مع الفارق الكبير طبعا ؟
ولماذا يقتطع ناجح منها عدّة أسطر ويترك بقيّتها ؟
أليس الصحيح أن نأخذ الصورة الكلّية للقصّة (مبدأ الجشطلت) لنعرف بدقّة هل ترتبط عصا "بطلها" بعصا الكهل البغدادي الجالس في المقهى أم لا ؟
السبط يهوذا يزني بزوجة إبنه وتحبل منه مقابل "عصا الخصب"
______________________________________
أنا أخبركم بهذه القصة :
فيهوذا واحد من ابناء (يعقوب - إسرائيل) الإثنى عشر (يُسمّون بالقبائل اليهودية أو الأسباط كما جاء في القرآن) . أقول يهوذا يظهر في هذه القصة ليس إلها للخصب ، ولكن كمتهتّكٍ وزانٍ ومنتهكٍ للمحارم .
ومن جديد : ما هي حكاية السبط يهوذا ؟
ما هي حكاية يهوذا وتمارا ( واسمها في التوراة ثامار) ؟
إنّها حكاية زنى بالمحارم أيها الأخوة . ولا تستعجلوا الحكم ، وانتظروا كي أخبركم بالقصة أولا ومن التوراة نفسها الذي هو كتاب زنى المحارم بامتياز (طبعاً التوراة التي كتبها كهنة التوراة في بابل وليست التوراة كلام الله المُنزّل المقدّس والمفقود حاليّاً) . أنتم لا تعرفون هذه القصّة لأنكم لم تقرأوا التوراة في حياتكم في المدارس أو المكتبات ولم تسمعوها من القنوات العراقية الإذاعية أو التلفازية ، ولم يحتفظ بها آباؤكم في البيوت مثل القرآن الكريم ، فأنتم لستم من أحفاد يهوذا ، ولا علاقة لكم بالثقافة التوراتية ، وموروثكم الأسطوري سومري وأكدي (بابلي آشوري) وإسلامي .
هذه حكاية يهوذا وثامار حسبما وردت في التوراة :
(1 وكان في ذلك الوقت أنّ يهوذا انفرد عن إخوته فنزل برجلٍ عَدُلامي يُقال له حِيرَة* 2 ورأى يهوذا هناك بنت رجلٍ كنعاني اسمه شُوع فتزوّجها ودخل بها* 3 فحملت وولدت ابنا ودعا فسمّاه عِيراً* 4 ثم حملت أيضاً وولدت ابناً فسمّته اونان* 5 وعادت أيضا فولدت ابناً ودعت وسمّته شِيلَة . وكان في كازيب حين ولدته* 6 واتخذ يهوذا زوجة لعِير بِكره اسمها ثامار* 7 وكان عِير بكرُ يهوذا شريراً في عيني الربّ فأماته الربّ* 8 فقال يهوذا لاونان ادخل بامرأة أخيك فتزوجها وأقم نسلاً لاخيك* 9 وعلم أونان أنّ النسل لا يكون له فكان إذا دخل على امرأة أخيه أفسد على الأرض لئلّا يجعل نسلاً لأخيه* 10 فقبح ما فعله في عيني الرب فأماته أيضا* 11 فقال يهوذا لثامار كنّته أقيمي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شِيلة ابني لأنه قال لعلّه يموت هو أيضا كأخويه . فمضت ثامار وأقامت في بيت أبيها* 12 ولما طالت المدّة ماتت ابنة شوع امراة يهوذا وسلا يهوذا بعدها وصعد الى جُزّاز غنمه في تِمْنَة هو وحِيرة صاحبه العَدُلامي* 13 وأُخبرت ثامار وقيل لها هُوَذا حموك صاعد الى تِمنة ليجُزّ غنمه* 14 فخلعت عنها ثياب إرمالها وتغطّت بالخِمار وتنقّبت وجلست في مأتى العينين على طريق تِمنة إذ رأت أنّ شِيلة قد كبر ولم تُزوّج به* 15 فرآها يهوذا فحسبها بغيّاً لانها كانت مغطّيّة وجهها* 16 فمال إليها إلى الطريق وقال هلمّ أدخل عليكِ لأنه لم يعلم أنها كنّته . فقالت ماذا تعطيني حتى تدخل عليّ* 17 قال أبعثُ بجدي معزٍ من الماشية . قالت أعطني رهنا إلى أن تبعث* 18 قال ما الرهن الذي اعطيكه . قالت خاتمك وعمامتك وعصاك التي بيدك . فأعطاها ودخل عليها فعلقت منه* 19 ثم قامت فمضت ونزعت خمارها ولبست ثياب إرمالها* 20 وبعث يهوذا بجدي معزٍ مع صاحبه العدلامي ليفتكّ الرهن من يد المرأة فلم يجدها* 21 فسأل أهل موضعها وقال أين البغيّ التي كانت عند العينين على الطريق . قالوا لم تكن ههنا قطّ بغيّ* 22 فرجع الى يهوذا وقال لم أجدها وأهل الموضع أيضا قالوا ما كانت ههنا قطّ بغيّ* 23 فقال يهوذا لنذهب بما عندها لئلّا يلحقنا خزي فإني قد ارسلت الجدي وأنت لم تجدها* 24 وبعد مضيّ نحو ثلاثة أشهر أخبر يهوذا وقيل له قد باغت ثامار كنتك وها هي حامل من البغاء . فقال يهوذا أخرجوها فتُحرق* 25 فبينما هي مُخرجة بعثت الى حميّها فقالت مِنَ الرجل الذي هذه الأشياء له أنا حامل . وقالت أثبتْ لمن هذا الخاتم والعمامة والعصا* 26 فأثبتها يهوذا وقال هي أبرُّ مني لأنّي لم أزوجها لشِيلة ابني ولم يعد أيضا يعرفها* 27 ولمّا كان وقتُ ولادتها إذا بتوأمين في جوفها* 28 ولمّا ولدت أخرج أحدهما يده فأخذت القابلة قرمزا فعقدته عليها وقالت هذا خرج أولا* 29 ولمّا ردّ يده خرج أخوه فقالت لماذا انقطع لأجلك السياج فسمي فارَص* 30 وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز فسمي زارَح) ( سفر التكوين - 38 : 1 - 30)
هذا ما ورد نصّاً في سفر التكوين ، وبإمكان أي قاريء أن يعود إلى كتاب (العهد القديم) أو التوراة - طبعا هي غير موجودة في بيوتنا كما قلت - أو الكتاب المقدّس ، ليتأكّد من ذلك . وسأقدّم لكم خلاصتها :
يهوذا إبن يعقوب هو أحد الأسباط الإثنى عشر ، كان لديه ثلاثة أولاد .. الأكبر اسمه (عِير) .. تزوّج من فتاة اسمها (ثامار) . أمات الربُّ (عير) لأنه شرّير فترمّلت ثامار ، فزوّجها يهوذا لابنه الثاني أونان ، أخو عير ، ولم تحبل منه ثامار أيضا ، فقد كان يقذف منيّه على الأرض . وهذا أماته الربّ أيضا ، فوعدها يهوذا أن يزوّجها ابنه الثالث والأخير الصغير شِيلة عندما يكبر !! انتظرت ثامار أن يزوّجها يهوذا من ابنه شِيلة ولكنه نسي ولم يفعل ، وبدلاً من أن تذكّره في جلسة ودّية وبالعتاب ، قرّرت اللجوء إلى حلّ "اسطوري" ، وهو أن تزني بعمّها لتشبع عطشها الجنسي (أو تصبح رمزا للخصب حسب التأويل !!) ، أي تصبح مومساً . ذهبت وجلست في طريق أبي زوجها يهوذا (عمّها كما يسمّيه الكهل العراقي الذي صوّره فؤاد شاكر في المقهى). ولكي لا يعرفها عمّها غطّت وجهها ببرقع . ويهوذا لم يقصّر قال لها تعالي أضاجعك . فقالت له يجب أن تدفع مقدّما . قال لها لا أحمل مالاً . فقالت له أعطني عصاك وخاتمك وعمامتك كرهن عندي إلى أن تسلمني أجري ! ناكها يهوذا وذهب إلى شغله. ولأنّ يهوذا يحب عصاه لأنها رمز للخصب وجزء من النظام الثقافي كما يقول الأستاذ ناجح ، فقد أرسل شخصا ليجلبها من ثامار ويعطيها أجرها ، فلم يجدها ، فثامار كانت قد عادت إلى البيت ، ولبست ثياب الترمّل ثانية . المهم أنً ثامار حبلت بعد مدّة (طبعاً من عمها يهوذا أبو زوجها) وجاء من يخبره بالأمر، فقال يهوذا : أحرقوا هذه الزانية . هنا أخرجت ثامار العصا والعمامة والخاتم التي رهنها عندها يوم ضاجعها كقحبة ، وقالت له : ها .. أنظر ، هذه هي عصاك .. أنت الذي زنيت بي يا عمّي . وهنا عَذَرها يهوذا ولم يحرقها ، كي يستعيد عصاه رمز الخصب ، وليحافظ على النظام الثقافي حسب تأويل الأستاذ ناجح .
د. حسين سرمك حسن
التعليقات