الشعر كيف نفهمه...؟

تقول الناقدة الانكليزية اليزابيث دور في كتابها (الشعر نفهمه ونتذوقه): نحن نقوّم القصيدة بالقدر الذي نحس فيه بصوت الشاعر الخاص وهو يخرج الالفاظ مخرجا يجعل اللغة معبرة عن حقيقة نفسه في اللحظة التي يكتب فيها"
ومغزى قول الناقدة ان اهمية كل تجربة شعرية تكمن في قدرة الشاعر على ان يجسدها تجسيداً صادقاً دالاً على حيوية تلك التجربة في ذات الشاعر بحيث لا يمكن ان تخيل اسلوباً اخر من شاعر اخر يتولى التعبير عن الاحساس نفسه بالتجربة نفسها فلكل حالة شعرية مناخها ولكل شاعر اسلوبه ولكل تجربة ايقاعها في الضمير ومتى ما وفق الشاعر مع ذاته وامانته لفنه الشعري فهو غير محتاج الى ان يستعير اصابع الاخرين او ان يشرب من محابرهم ولا تحتاج القصيدة الى ان تأكل من موائد الشعراء او تنتحل ازياء قصائد اخرى حتى لو اشتركت معها في الوزن او طبيعة المنهج الشعري المختار كأن يكون منهجاً واقعياً او رمزياً او اسطورياً فإلى جانب السمات العامة المشتركة التي تطبع شعر مرحلة او تيار ادبي او جيل من الشعراء يبقى لكل شاعر ناضج ما يتميز به من خصوصية تشكل اسلوب المعبر عن حقيقة نفسه وحقيقة قدراته واختياراته الذوقية حتى قيل ان اسلوب الاديب هو الاديب نفسه لأنه خلاصة الخبرة الشخصية التي تصور ادق دقائق التفرد الانساني في الابداع الادبي ولأنه مرآة لقدرته على الاختيار واقامة الصلات الفنية بين الالفاظ او بين اجزاء التجربة الواحدة حتى تمسي كلاًًً موحداً منسجماً لا تحس فيه تنافراً او اضطراباً,وفي ذلك الدليل على النضج الفكري الذي يمس فيه الشاعر سيد التجربة الذي تنقاد له الالفاظ فينتقي منها بحسب اغراضه الفنية ويضع كل لفظة موضعها المناسب والمحدد بحيث لا تغنى عنها لفظة اخرى. ويصف الشاعر الانكليزي (ت.س.ايليوت) هذه الحالة في رباعياته الاربعة بقوله: (تكون كل كلمة في موضعها-تأخذ مكانها لتسند الاخريات, فلا هي خجلى مترددة ولا هي صخّابة متبجحة, شائعة الاستعمال في الماضي والحاضر,الكلمة العادية فيها دقيقة المعنى دون ابتذال والكلمة العلمية محددة المعنى دون حذلقة وفي التركيب المنسجم ترقص معاً) .
نور كريم الطائي
التعليقات