( خواطر شاعرية ... ) هموم و أصداء مشروعة
إطلالة بعين الثاقب المتأمل على ( خواطر ...) الأديب و الكاتب الدكتور عبدالحسن المحياوي كفيلة بأن تحيلَ قارئها إلى رذاذ الأيام الخوالي العبقة و الحزينة و البريئة التي طالما حملت بين رياحينها صدق المشاعر و عنفوانَ الأحاسيس , و ألق الإنشطار و الذوبان الروحي البريء في عالمٍ جميل و فضاءٍ صافٍ لم تلوثهُ نتانة الغش و الرياء , و لم تجنِ عليه إرهاصاتُ التقلبات و أعاصيرُ الزمن الزائفة ... و كلنا يحنُّ إلى تلك اللحظات البيضاء النقية على الرغم من قساوتها و همومها التي تشظت داخل أسوارنا , لأنها همومٌ جميلة , و شظايا دافئة , و لواعج مترعة زرعت في أرواحنا قيم الصدق و الشفافية و البراءة و الحب و الألفة الجميلة و التوادُد الصافي , و أسست لنا قيماً ساندة و قوىً خفيّة مكنتنا من التصدي لكل ما هو زائف و خادع و معكر لرونق الحياة و فلسفة وجودها و فطرة التعلق بجذورها و أصالتها التي تعني لنا تمسكنا بأهلينا و أحبتنا و أرضنا و عراقتنا ...
كتاب ( خواطر شاعرية و مقامات ) لمؤلفه الأستاذ الدكتور عبد الحسن خضير المحياوي , حريّ بالمطالعة كونه جمع فيه من خواطر نيّفت عن المائة إضافة إلى سبع مقامات .. خواطر و أصداء ذكريات إمتزجت فيها الدموع الحرّى و الهموم الساخنة لتتوزع متشظية هنا و هناك ,, بين الحبيب و الصديق و القريب و الوطن و النفس , و حتى براءة الطفل و نقائه , مما يجعل القاريء يتنقل كالنحلة ليجمع ما يلتذ به من رياحين , فينفعل هنا , و يتذكر هناك , و يتناغم مع عبارة , و يغضب و يتألم , يتفاعل و يتأمل , و يرنو و يتأسف و .. يصرخ ,,,,
وا أسفاه ..
قتلوا نخيلكَ غيلة ً
وأدوا حياتكَ و السواقي
هذا نخيلُكَ ينحني
ينعى الشموخَ , مشوّه الأعناقِ
صرخة من أعماقي
صرخة ٌ باسمكَ يا عراقــي ...
و لا غرابة في ذلك التجانس اللطيف بين الخاطرة ( العابرة ) و بين الشعر ( المقصود ) في تلك النصوص التي أسماها ( خواطر شاعرية ) .. و للمتأمل القاريء أن يشعر بنقاءِ العبارة و براءة الإحساس , لاسيما و نحن نعيش - في ذهول - بين الحجر , و نرى الجمال يحتظر أمام أعيننا دونما أي حراك ...
يقول :
قلبي أبيض
مثل فراشةٍ بريئةٍ تحومُ في عالمٍ أبيض
بعيدا عن قلوب الناس الحجرية
تحملُ صورة ً واحدة .. جميلة .. بريئة
في صفحة الأماني .....
في بلادي
يموتُ الجمال
تموتُ البراءة ُ , و يحيا الصخر
يحيا الظلم !!!
فنحنُ , عزيزي القاريء , أمام إنسان مرهف و شاعرٍ كبير و كاتبٍ و باحثٍ مبدع له مؤلفات و دراسات و بحوث توزعت على مساحاتٍ ثقافية لا بأس بها .. كتب في الشعر و تمكن من ناصيته و بحث في عروضه , بحث في المقامة الأدبية و له سجالات و دراسات , أنشد للطفولة البريئة الصافية و تغنى بحب الوطن , عنى بالعلم و الأدب و القلم و الحرف ..و نبذ الحرب و الحقد و الكراهية و الاستبداد و التحجر و التسافل و الهدم ...
قطراتُ الماء المتساقطة تثقبُ الحجر
و قدحة ٌ من زناد ٍ تُحرقُ مدينة ً , و تُضيءُ أخرى
و صرخة ٌ من امرأة ٍ تملأ الأرض دماءً
و حروفٌ من قلم ٍ تبني عالماً و تهدمُ آخر
و ابتسامة ٌ بريئة ٌ من طفل , تزيحُ جبلاً من الهموم و الأحزان
و .. نشيدٌ أكتبهُ إلى وطني
يحملني ابتسامة ً في وجه كلّ طفل
إنها الإرادة ...
إنها القطراتُ المتساقطة , و الزنادُ , و القلم ...
و هذا النص البديع يذكرنا بنص الشاعر العراقي المغترب احمد مطر الذي وُصف بالتهكم و السخرية و مقارعة الظلم و الفساد , ذلك النص الذي وصف العلم و القلم و دورهما في نهضة الشعوب و تقدمها :
هذا يدٌ و فم
و وردة ٌ و دم
و قوة ٌ خارقة ٌ تمشي بلا قدم ...
فهموم الشاعر و المثقف و الأديب الأصيل تبقى تحومُ حول مربعهِ لا تغادره , لأنها شربت من مياه عراقتها تأريخاً سيبقى مدونا بأحرفٍ من فخارٍ و عزٍّ و سؤدد .. و حبّ الكاتب و انتماؤه لوطنه تجلى بكل صدق و تجذر و عراقة و هو يقرنُ وطنه بالتأريخ كله ... يقول في نص بعنوان ( إليك يا عراق ) :
حروفكَ الذهبية لا تُساوى بأرصدة المتاجرين بحياة الشعوب
فالعين : عيننا التي نراك بها ...
و الراء : رمشنا , و روحنا التي بين جنبينا
و الألف : أمننا و أمانينا
و القاف : قمرُنا الذي يقهرُ الظلام
بالأمس كنتَ التأريخ .. و اليوم أنتَ التأريخ
و غدا ... التأريخُ أنتَ ...
و ليذهب المتاجرون إلى الجحيم
فأنتَ التأريـخ ُ يا عـراق .....
أجل .. إنها هواجس صادقة و مشاعر بريئة و نبيلة جمعها الكاتب في اقل من أربعة اشهر , نشر العديد منها على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي ( التانكو ) نزولا عند رغبات الكثيرين من متابعيه و ضمنها بمقاماتٍ سبعة كان نشرها في الصحف و بعض المواقع الألكترونية ... و نعتقد ان ( خواطر شعرية ...) أدت ما عليها و حظيت باهتمام البعض و لامست شغاف القلب و أزاحت عنا بعض الهموم العالقة و أطربت مسامعنا بجميل عباراتها و نقاوة مفرداتها ... و نرى من الضروري الإطلاع عليها , لأن ما كتبناه لا يُغني عن قراءتها و الغوص في أعماقها , و لكل مطلعٍ زاوية يطلّ من خلالها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جبار منعم الحسني
التعليقات
|
سرني تناول حضرتك لنتاج المبدعين من الكتاب والشعراء والالتفات للحرف المميز
كل الود والتقدير لك |
|
الاسم: |
جبار الحسني |
التاريخ: |
2016-02-09 17:39:08 |
|
الأديب الشاعر الأستاذ يوسف لفته الربيعي ... حياك الله أخي الفاضل و شكرا لك و لإطلالتك البهية ... و مشتاقون لحروفكم و تفعيلاتكم الجميلة فنحن في زمن ( التأدب و التشاعر ) و خواء الحرف و الفعل و نا اكثر الضجيج و ......... تحياتي لك اخي
|
|
|
الأستاذ الفذ جبار الحسني ...رعاكم الله بدءا أحييكم من الأعماق ..لقد أسعدتني طلعتكم البهيه ، ما أروعكم وأنتم تمخرون عباب بحر الإبداع الذي حملكم به قارب البحار المخضرم المحياوي صاحب الزهور والشذرات والأنفاس العطرة ، وطني حد النخاع ، ينطق مابقلبه ، جندي الأدب المجهول ، واكبت دواوينه بشغف ، فكان زارعا بارعا معطاءا بلا حدود، من عرفه عن قرب كشف خامة بشرية نادرة الوجود بالسماحة والتواضع والتأدب في زمن الغلو والأنانية والحسد ،تحية لكم أيها الناقد الصادق العارف حق من يستحق الأطراء الجميل ، وهنيئا لمن كسب القول المميز إستحقاقا ، الدكتور عبد الحسن المحياوي ، الله الله لهذه الوقفة الأدبيه اليانعة التي تنم عن صفاء القلوب وحسن السريرة للكاتب والناقد ،دمتم ودام الخير بكم . |
|
الاسم: |
جبار الحسني |
التاريخ: |
2016-02-08 16:38:24 |
|
الأخ و الصديق المبدع بحق الدكتور عبد الحسن المحياوي .. سعيد برفقة أمثالك من نبلاء و سعيد و لي الشرف و الفضل لله و لك في أن أتناول منجزا من إبداعاتك و أنا أتنقل بين أزاهير حروفك البهية .. دمت للكلمة الصادقة المعبرة النقية نقاء روحك ... وفقك الله و من إبداع إلى آخر عسى ان ينتفع المريدون ... |
|
الاسم: |
الدكتورعبدالحسن خضيرعبيدالمحياوي |
التاريخ: |
2016-02-08 10:28:39 |
|
اخي العزيزالشاعرالمبدع وكاتب المقامات المرهف الاحساس الاستاذجبارالحسني..حفظكم الله...لااعرف كيف اعبرلك عماجال في صدري وانااتمعن بحروفك الذهبيةالمتذوقةالناقدةالمنصفةوهذااهم شيء في الناقد المتذوق..لقدأجملت فابدعت ..وازحت من صدري متراكماماكنت استطيع ان ابثه الى احد...ولاغرابةفي هذا..فالشاعريحمل الهواجس نفسهاالتي يحملهازميله..لاسيماان كان له صديقآوزميلآوعاشامعآحوادث الايام ومرارة الظلم الذي حل ببلادهم...تحياتي لك من مبدع ورفع مقامك من كاتب .وفقك الله....أخوك...د.عبدالحسن 8 2 2016. |
|