محبرة الخليقة (39)
تحليل ديوان المحبرة للمبدع الكبير "جوزف حرب"
أني كثيرُ الأسئلهْ ،
والأخيلهْ .
لا أحبُّ الموتَ ، لكنْ ، أضجرتني
قبلَ أن تأتيْ
السنينُ المقبلهْ . – ص 1057) .
إنّ ضجر جوزف حرب هو من النوع الذي عاناه "بول فاليري" ، ووصقه بدقة حين قال :
(الضجر من الحياة .. لا الضجر الناتج عن التعب ، لا الضجر الذي نرى جذوره أو ذاك الذي نعرف له حدوداً . بل ذلك الضجر الكامل ، ذلك الضجر الخالص ، ذلك الضجر الذي لا يصدر عن قلّة حظ أو عاهة ، والذي يلائم نفسه مع أسعد الظروف قاطبة (هدهدة الأم مثلاً – الناقد) ، ذلك الضجر أخيرا الذي ليس له من مادّة سوى الحياة عينها ، ومن علّة ثانية سوى حدّة وعي الكائن الحي . ذلك الضجر المطلق ليس في ذاته سوى الحياة عندما تنظر إلى نفسها بوضوح عارية تماماً) .
ويبدو أنّ قلق الموت والخشية منه لا يعرف الإستكانة خصوصاً إذا كان مرتبطاً أو مؤسساً على مشاعر عميقة بالذنب ، فتراه متحرّكاً ضاغطاً يدقّ كل الأبواب الذهنية فيشتّت قوى التركيز ، ولا يستطيع الشاعر البرّ بأي وعد يقطعه على نفسه ، وقد أعلن قبل قليل ضجره من كثرة أسئلته وأخيلته ، ليعود بعد مسافة قصيرة جداً بمقدار صفحة واحدة ، نقلبها ليواجه أبصارنا "سؤال" كبير يعيد تشغيل عجلة حلقة التساؤلات المفرغة المعذّبة :
( ما منْ شيءٍ إلّا أقدرُ أن
أتخلّى عنهُ
إن شئتْ .
فلماذا
جئتْ ؟ – ص 1058) (نصّ "سؤال") .
والتساؤلات التي يعلن الشاعر ضجره منها ، ويحاول الخلاص منها بكل طريقة ، تستولي – بطريق غير مباشرة - على كلّ نصوص هذا القسم ، قسم "المرارت" ، بصورة مريرة تحطّم الروح ، وتسحق النفس . فكلّ وقفة أمام لحظة هاربة هي سؤال عن أين تذهب أيامنا وأعمارنا ؟ وكلّ استعادة لذكرى رائعة غائرة هي سؤال عن لماذا لا تعود اللحظات الجميلة الغاربة ؟ وكل فكرة تمنٍّ نأمل فيها بيأس أن نغيّر ما لا يتغيّر ، هي سؤال عن سرّ هذه الحركة المرسومة الجائرة التي تحكم حيواتنا ، والسائرة ابداً إلى الأمام ؛ نحو الموت .
د. حسين سرمك حسن
التعليقات
|
شكرا أخي الوفي الطيّب د. حميد . تقبل فائق احترامي. |
|
|
تحياتي ابا علي وكل عام وانتم بخير
الديوانية تسال عنكم وما من مجيب!! |
|