ملف وفاء النور لتكريم المبدعين - برهان توقعات ناظم السعود
قبل ان تلفني المنافي بظلمتها وينقطع شريان التواصل المباشر مع المثقفين والادباء في الواحات الادبية المنتشرة في ربوع بلدي ، عشت سنتين من الانتعاش الثقافي في ظل الظروف الاستثنائية الصعبة بعد التغيير عام 2003 م ، تكثفت اللقاءات الثقافية الحيوية في مجالس ادبية متعددة ، اذكر على وجه الخصوص (ملتقى الجماهير الابداعي ) في باب المعظم قرب موقع جريدة الجمهورية سابقا ، أحتضن الادباء والكتاب والصحفيين والشعراء والفنانين والرساميين والسينمائيين والمسرحيين ، فضائه مشحون بالنقاشات والحوارات العميقة من خلال الندوات والمحاضرات حول هموم المثقف العراقي في فورة التغيير السياسي للبلد ، من البديهي حينها ارتفاع سقف الامنيات والطموحات المعتمرة في نفوس المثقفين للانطلاق من قيود الاستلاب لنتاج قلم المثقف العراقي ، الامل بفتح افاق واسعة في تلبية احتياجاته لاداء مهامه الابداعية بعد زمن طويل من الكبت والتهميش والتغيب القسري للمنتج الابداعي الثقافي ، لكن في خِضم تلك التطلعات ذاكرتي تختزن علامات قارقة مميزة من المداخلات المتقاطعة الواقعية المؤثرة للكاتب الصحفي القدير ناظم السعود في جلسات ذلك الملتقى ، قراءته متأنية لمستقبل الواقع العراقي الثقافي من خلال تجربته في الكتابة الابداعية بعناوينها الانسانية ، حملت رؤية تأملية عميقة متضمنة تفسيراً وتحليلاً للمتغيرات والمتناقضات لذاك الواقع ، لكن بحدس مختلف عن السائد من طروحات زملاء الاخرين ، واجه السعود العديد من الاعتراضات والتضادات حول اراءه حينها ، الا اصراره على طبيعة المرحلة الزمنية الانية والمستقبلية القريبة بتأكيد خضوعها التام لسطوة السياسي ، توقع محاولة اعادة منهج تبعية المثقف بتحجيم دوره عبر تعرضه لسياسة الاستغفال والاهمال المتعمدة ، ظلت تلك الطروحات شاخصة قي ذهني ، ابحث عن دلالاتها على ارض الواقع بعد تلك السنوات المنصرمة من زمن التغيير ، اكدت وقائع المشهد الثقافي العام وما تعرض له من تداعيات ، صدق تشخيصه ، بما الت اليه اوضاع المثقف العراقي ، ملامح توقعات الشاعروالروائي ورائد الصحافة الثقافية ناظم السعود ، تحققت وانطبقت بالتمام على وضعه ، بعد تدهور حالته الصحية لتعرضه لجلطتين قلبيتين ومغادرة بغداد والعودة بعكازته الى قرية بسيطة على (جرف ألبو عامر ) في قضاء الهندية ، حيث وصفها في بعض ماكتب لاحد الزملاء (اسمح لي أيها الصديق أن أرسل لك تحياتي من قرية مغمورة لا أزور فيها ولا أزار واقبلها مني استذكاراً لأيام أصبحتُ أحصيها بالنهنهات ) ، رغم مواصلة ابداعاته في بعض الصحف العراقية كمصدر قوت لاسرته ، الا انه في الاونة الاخيرة ، قرأت العديد من المناشدات والدعوات لعدد من الزملاء لتسهيل مهمة علاجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف وبعض القنوات الفضائية ، يبدو ان آفة الصم تفشت في مسامع المعنين من المسؤولين الحكوميين ولامجيب لتلك الاستغاثات ، لابد الاعتراف بيقين برهان توقعاته ، ربح الرهان الزميل السعود ، وندائه الاخير في رسالته صفعة مدوية في وجه اعداء الحياة بمعناه الحقيقي (أفضّلُ الموتَ بصمتٍ في بيتي الريفي على أنْ أقعَ ضحيةً للتجارب ....),
علي الحسون
التعليقات