زاوية : (شمس ونور ومطر) .. الأدب الكابوسي/ أدب الرّعب
لقد ظهر الأدب الكابوسي ( أدب الرّعب ) في العصر الحديث ، وأصحاب هذا الأدب يجعلون من الترهيب وزرع الخوف والشّك أداة في سبيل وصف العالم ، يتجلىّ أمام المتلقي عالماً غريباً عجيباً مخيفاً ، كلّ الأحداث تؤول فيه إلى مصير شنيع . وهذا الأدب ينطلق من الواقع ليرسم ما هو غريب أو عجيب . إذ إنّ الرّواية أو القصّة عندما لا تحقّق اللاواقع أو الواقع الذي لم يعدّ موجوداً فإنهّا تصف شيئاً حقيقياً ومعيشاً . وهذا الواقع يثير بعض القراء بينما يصدم البعض الآخر نظراً لغرابة وسائله أو مواضيعه كما يقول عابد خزندار في كتابه "حديث الحداثة".
وهذا الواقعي وفق رأي محمد خلاف "أو اللاواقعي ليس له الصفة الإشراقية وإنمّا له صفة الكابوس ، وهو كابوس نهاري ، لأّنه شيء تقتضيه الحياة نفسها . أو تحتمل حدوثه".فنحن نلتقي به وجهاً لوجه في هذه الحياة ، فنحن قد نصادف قاتلاً يستمتع بقتل ضحاياه أو تذويبهم في الحامض ، وقد نكون شهود عيان على تعذيب أطفال أو قد نقرأ في الصحيفة عن رجل يبيع ابنه من الفقر ، أو يجعل أعضاء جسد ابنه سلعة يدفع بها لمن يدفع أكثر وعند لحظة مواجهة الإعلان الصريح يكون الرّعب في أبلغ صوره .
وهذا الأدب لا يمثّل كارثة عارضة أو حدثاً استثنائياً بل هو واقع الوجود الإنساني ذاته الذي ليس لرعبه بداية أو نهاية ، والأدب الكابوسي / أدب الرّعب يمثّل الهمّ الرازح على صدر الحياة والجاثم على أنفسنا نقابله كلّ يوم دون أن نشعر به ، لكن عندما يكتشف يدفعنا نحو الخوف والاشمئزاز دون رحمة ، متجلياً في أحداث غريبة عجيبة تكوّن نمطاً من أنماط الخوف إذ إنّ الغرائبيّ وفق رأي تودورف ينتمي إلى تلك المجموعة من الأشياء المفزعة التي تعيدنا ثانية إلى شيء سبق أن خبرناه أو شعرنا به من قبل. ورائد إدراك هذه الغرابة هو الخوف لا التردّد .
وإن كان الحلّم الليلي يمثل الكبت والخوف والحرمان ، فإنّ هذا النوع من الأدب يمثّل التعبير عن الكبت والخوف كما يرى سيجموند فرويد من خلال إجبار المتلقّي على الوقوف وجهاً لوجه أمام حياته بما فيها من تناقض ومخاوف وحرمان يسترجع مرة واحدة كلّ مخاوفه ونكساته وإحباطه ، وبتقيؤها في عوالم غريبة ، ومجاهل مرعبة .
ويتعالق الأدب الكابوسي ( أدب الرّعب ) بعلاقات جدلية بنائية مع العجائبيّة والغرائبيّة ، فهو من ناحية يُعدّ الوارث المشهور لأدب الشياطين والجن والعفاريت وكلّ القوى غير مسماة . من ناحية أخرى يمثّل ذلك التردّد الذي يشعره الإنسان إزاء حادثة غريبة تخيفه و يجهل تفسيرها،ويبحث لها عن تفسير ضمن العلل الطبيعية أو فوق الطبيعية كما يقول تودوروف في كتابه"مدخل إلى الأدب العجائبي". وعندما يحسم القارئ اختياره آخذاً بعين الاعتبار مسار الأحداث فإنّه ينـزلق في العجائبيّة إذا قرّر إنّه ينبغي قبول قوانين جديدة للطبيعة ، يمكن أنّ تكون المفسرة لما يحدث . أماّ إذا قرر أنّ قوانين الواقع لم تمسّ وأنها تسمح بتفسير الظواهر الموصوفة كان الأثر ينتمي إلى الغريب،وهذا وفق تحديد تودوروف للغريب والعجيب.
والحق إنّ أدب الرّعب الخالص ينتمي إلى الغريب ،لكنّه قد يتجاوز إلى العجائبيّ ( العجيب ) إذا توافق شعور الخوف والرّعب مع حضور عوالم وقوى غير مألوفة) . فالسّرد الغرائبيّ قد يتمثّل في بنية سردية تدور حول رجل وجد في سريره أشلاء متناثرة ، ولكنّه يتحول إلى العجائبيّة ، إذا صادف مثلاً اجتماع الأشلاء بعضها مع بعض ضمن جسد واحد مرة أخرى،وارتداد الحياة إلى ذلك الجسد . فهذا الحدث يحطم البنية الغرائبيّة ، ويبني بدلاً منها بنية عجائبية تمثّل ( قطيعة أو تصدعاً للنظام المعترف به ، واقتحاماً من اللامقبول لصميم الشرعيّة اليوميّة التي لا تتبدّل.
د. سناء الشعلان
التعليقات