تاريخ انتاج النفط في المنطقة عامة والعراق خاصة
(( هذا هو نص المادة(111) في الدستور العراقي الجديد الذي يكفل لكل عراقي حقه في ثرواته الطبيعية وقد تم تأكيد ذلك خلال مسودة قانون استثمار النفط والغاز الذي أصدرته وزارة النفط في شباط 2007 (وهذه المسودة كانت مثار جدل للسنتين الماضيتين وطرأت عليها تعديلات عديدة ولا زالت بعض الجهات السياسية والنفطية لديها ملاحظات حولها) النفط والغاز هو ملك لكل الشعب العراقي من كل الأقاليم والمحافظات)) وإيمانا منا بأن لكل عراقي الحق في معرفة كافة التفاصيل حول الثروة النفطية وكيف يتم استثمارها وتطويرها وهذه الخطوة هي الخطوة الأولى في سبيل الشفافية والنزاهة في العمل النفطي.
وفي هذه المقالات سأقوم بتوضيح الكثير من الأمور التي تخفى على المواطن العراقي (والعامل في قطاع النفط على حد سواء ) معرفتها في جوانب وتفاصيل الصناعة النفطية في العراق وذلك لكي نكون كلنا على دراية ووعي بالأمور كافة للوصول الى أهداف الشفافية في الصناعات الاستخراجية التي تعد الآن إحدى المعايير الدولية المهمة في تصنيف الدول والشركات النفطية وقد رأيت ان من المهم لنا معرفة تاريخ هذه الصناعة أولا ثم الدخول في تفاصيل العمل الإداري والفني والتقني .
النفط في العصور القديمة في العراق: تعد النار الازلية Eternal Fire احدى ابرز معالم النفط في تاريخ بلدنا وحسب الروايات التاريخية , فمنذ عام 550 ق. م اندلعت هذه النار من تلقاء نفسها وظلت ملتهبة الى يومنا هذا تتحدى الامطار والثلوج والرياح ولانها لا تنطفئ فقد اطلق عليها اسم (النار الأزلية). فهي عبارة عن بقعة ارض صخرية ذات مساحة صغيرة تقع في منطقة حقول )بابا كركر) الغنية بالنفط والغاز
اما التفسير العلمي لهذه النار بأنها جاءت نتيجة تسرب الغاز من أعماق الارض وتشققاتها والعوالق الموجودة في تركيبتها الصخرية واشتعاله بمجرد ملامسته للهواء المشبع بالاوكسجين. الاشوريون كانوا يعتقدون انها منفذ العالم السفلي حيث يتعذب الانسان اذا ما ارتكب اخطاء في حياته والنار هي دليل العذاب وسمي ذلك الاله بالاب المحترق او الاب الغاضب (بابا كوركور) حسب اللغة السيريانية القديمة.
وايام الدولة الاموية كان زيت النفط او النفط الخام يستخدم في انارة الفوانيس وكزيت للمنجنيق الملتهب في الحروب وكانت منطقة كركوك واطرافها مصدر هذا الزيت على سبيل المثال.
واستخدم بعض العلماء العباسيين عمليات تقطير بدائية للحصول على نفط خام بدون شوائب واستخدم هذا النفط في الحمامات العامة والخاصة (وهذه الطريقة لازالت الى الان مستخدمة في الحمامات الشرقية)
بداية استكشاف النفط في التاريخ الحديث للعراق: كان الالمان هم اول من حاول استكشاف النفط في العراق في الفترة (1860-1880) حيث استقدمهم والي بغداد العثماني مدحت باشا وقاموا بإنشاء مصفى في بعقوبة لتصفية النفط المستخرج من مندلي وفي عام 1882قام السلطان عبد الحميد الثاني بإصدار فرمان من الباب العالي يقضي بضم أراضي الموصل (بضمنها عين زالة و القيارة ) .
وفي العام 1902تم حفر اول بئر نفطية بمهارات انكليزية في حقل جيا سورخ قريبا من الحدود الايرانية ورغم قلة الانتاج الا انها كانت طفرة نوعية وجذبت انتباه الشركات الاخرى للعراق وفي عام 1905 قامت شركات فرنسية وألمانية بمحاولة استخراج النفط من حقول القيارة .
على صعيد الشرق الأوسط كانت التطورات السياسية مبطنة بمصلحة الدول العظمى آنذاك ان اكتشاف النفط في بدايات القرن العشرين في الشرق الاوسط كان هو السبب الرئيسي لقيام الحرب العالمية الأولى وأدى اكتشاف النفط الى ظهور قيادات وامراء في المنطقة لهم ولاء مطلق للحكومة البريطانية منها الحكومة القاجارية في إيران التي أعطت الامتياز لدارسي البريطاني عام 1900للتنقيب عن النفط في أراضيها من قبل شركة النفط الايرانية -البريطانية APOC .
مما ادى بشكل او باخر الى توسع النفوذ البريطاني في المنطقة لتصبح اللاعب الأكبر في الساحة النفطية العالمية لثلاثة عقود 1910-1940 في تلك الأثناء بدأت الشركات العالمية المعروفة بالأخوات السبعة وهو مصطلح اطلقه تاجر النفط الايطالي انريكو ماتي على سبعة شركات كانت اكبر شركات البترول في بداية القرن العشرين وهي شركات
( Exxon , BP , Shell , Gulf , Texaco ,Chevron , Total( CFP
بدات هذه الشركات بوضع خطط استثمارية للسيطرة على المناطق النفطية بواسطة عقود طويلة الاجل والاتفاق مع الحكومات التي كانت كلها حكومات فتية ليس لها باع سياسي ولا اقتصادي يذكر وبذلك اصبحت خيرات تلك البلدان فريسة سهلة للشركات الكبرى المسماة الاخوات السبعة الى خمسينيات القرن العشرين حيث بدات الانتفاضات الشعبية وبدات حركات التأميم وظهور الشركات الوطنية national oil companies او مايعرف اختصارا ب NOC
في عام 1912 قام المدعو كالوستي كولبينكيان (رجل الاعمال الارمني المشهور البرتغالي الجنسية) بالتعاون مع شركات النفط الكبرى الاوربية بتأسيس شركة البترول التركية TPC في اسطنبول وحصلت شركة TPC من حكومة الباب العالي في اسطنبول على امتياز التنقيب واستكشاف النفط في كافة الاراضي العثمانية كالعراق وسوريا وجنوب تركيا, لكن اندلاع الحرب العالمية الاولى حال دون اكمال الاستكشافات في العراق .
النفط في العراق فيما بعد الحرب العالمية الاولى: رغم تفجر النفط بكميات كبيرة في تشرين الأول/أكتوبر 1927 من البئر رقم 1في حقل بابا كركر في منطقة كركوك، إلا أن عمليات الإنتاج للنفط العراقي تأخرت لعدة سنوات إلى حين الاتفاق ثم الانتهاء من مد أول خطوط النفط غرباً باتجاه سوريا ولبنان واللتان كانتا خاضعتين للانتداب الفرنسي.
وبذلك يتم تقاسم خيرات النفط العراقي بين البريطانيين والفرنسيين وأصبح النفط العراقي حكراً لشركة نفط العراق IPC بموجب اتفاقية الامتياز الممنوحة لها تحت الضغط البريطاني وتاريخ هذه الشركة حافل بالمفاجآت فهي نفسها شركة الامتيازات الافريقية والشرقية المحدودة المسجلة عام 1911وهي نفسها شركة النفط التركية TPC التي جاء ذكرها سابقا اذن من الواضح ان الاستعمار الغربي كان يستبدل اسم الشركة حسب المستجدات السياسية فقط ليوهم الناس البسطاء والحكام السذج انها ملك لهم بينما هي
في الواقع لملك لاصحاب الاسهم التي كانت تتكون من :
1-23.75 % لشركة النفط البريطانية (او ماكان يسمى شركة النفط الانجلو - فارسية) 2-23.75 % لشركة رويال دوتش شيل (SHELL)البريطانية -الهولندية 3-23.75 % لشركة النفط الفرنسية (FPC) 4-23.75 % لشركة تنمية الشرق الاوسط الامريكية 5- 5 % لورثة كولبينكيان
وكان اول اكتشاف لها هو اكتشاف النفط في كركوك عام 1927 وبدأت بالانتاج والتصدير عام 1934 وكان للنفط دور مهم في تغيير السياسات الحاكمة في العراق.
تأسست لاحقاً شركة نفط الموصل عام 1936 لتغطية مناطق شمال غرب العراق عين زالة وبطمة والقيارة ومخمور، وفي عام 1938 شركة نفط البصرة لتغطية النشاطات في جنوب العراق وشواطئ الخليج العربي والصحراء القريبة من الكويت , واول اكتشاف لها هو حقل الزبير 1948 وبوشر بالتصدير منه عام 1951وبعدها تم اكتشاف حقل الرميلة عام 1953وبوشر بالانتاج منه عام 1954 وقامت الشركة ببناء الميناء العميق لغرض تحميل الناقلات العملاقة
ترى هل استفاد العراق ماديا من وفرة انتاجه النفطي اثناء الثلاثينيات والاربعينيات؟ وللمرة الاولى نفكر ثلاث شركات نفطية عملاقة هي شركة نفط العراق وشركة نفط البصرة وشركة نفط الموصل وانتاج النفط كان قد بدأ ب89000 ب/ي في 1938 ووصل الى 140000ب/ي في عام 1950 ووصل انتاج النفط المتراكم الى مايقارب مليار واربعمائة واربعون مليون برميل لغاية عام 1958 وكانت حصة العراق هي اربعة شلنات عن كل طن من النفط الخام المستخرج وبلغ مجموع المبالغ المستحصلة من النفط لغاية 1958 45مليون دولار وكانت هذه المبالغ جزءا ضئيلا من حقوق الشعب العراقي فهي اقل من حصة كولبنكيان واقل من 1% من النفط المستخرج كل هذا ادى الى النفور الشعبي والثورات وقامت الحكومة بمفاوضة الشركات النفطية الثلاثة لزيادة حصة العراق الى 20% لكن الشركات بدأت بالمماطلة مما ادى الى المزيد من المشاكل واحداث الشغب خصوصا بعد المظاهرات العارمة احتجاجا على رئيس الوزراء صالح جبر فقامت الحكومة العراقية بأنذار الشركات بانهاء الامتيازات الممنوحة لها وفي الثالث من شباط 1952 تم توقيع الاتفاقية التي طال انتظارها بين الحكومة العراقية والشركات الثلاثة وذلك باعطاء العراق حصة 50% من ارباح الشركات تؤخذ بشكل حصة عينية من النفط الخام للاستهلاك الداخلي والباقي يحول الى دفع نقدي وتم الاتفاق على زيادة الانتاج الى 30مليون طن عام 1955واصبح دخل العراق الصافي من النفط يقدر ب20مليون دينار عراقي أي مايقارب 40مليون دولار انذاك
في عام 1958 حل النظام الجمهوري بدلاً من الملكية في العراق وفي عام 1961 صدر القانون رقم 80 الذي تم بموجبه سحب 99.5 % من الأراضي العراقية التي كانت خاضعة لاتفاقيات الامتياز نظراً إلى عدم قيام شركات النفط الاحتكارية باستغلالها، وأبقت لها الحقول قيد الإنتاج مثل جنوب الرميلة والزبير وكركوك وعين زالة، وشمل القانون رقم 80 سحب الطبقات غير المنتجة ضمن تلك الحقول أيضاً ومهد الطريق لتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية والتي صدر قانون تأسيسها في 8 شباط/فبراير 1964 وبوشر بإعداد تشكيلاتها وباشرت بعمليات التطوير فعلياً بعد عام 1968 وذلك في حقل شمال الرميلة والذي بوشر بإنتاجه في 7 نيسان/أبريل 1972 وذلك بأسلوب التنفيذ المباشر والذي تم اعتماده في معظم فعاليات الشركة. وبعد تأميم عمليات شركة نفط العراق في 1/6/1972 والتوصل إلى اتفاقية التسوية مع شركات النفط في 1/3/1973، توسعت عمليات شركة النفط الوطنية العراقية وخاصة بعد الطفرة السعرية الأولى وزيادة إيرادات العراق النفطية والتي رافقها استكمال عمليات تأميم شركة نفط البصرة في عام 1975.
عباس العيداني
التعليقات
|
شكرا جزيلاً معلومات قيمه، تنقصها بعض التفاصيل بخصوص نفط الشمال اعمل في غحدى الشركات النفطيه في البصره ووجدت بئر رقم 1 في الرميله الجنوبيه بالقرب من محطة العزل المركزيه والجميل لا زال ينتج لهذا اليوم وبئر رقم 1 بالرميله الشماليه حفر من قبل شركه رومانيه في السبعنيات لازال ينتج ايضاً |
|