الواقع العراقي بين المفروض و االلامفروض
هناك نوعان من المشاكل عانى و مايزال العراق يعاني منها: مشاكل فرضت نفسها على الواقع العراقي و أخرى مرتبطة بالواقع الاجتماعي العراقي نفسه. الوضع الكارثي الذي كان يعيش فيه في ظل النظام الديكتاتوري الذي عمل كل ما في وسعه لتحطيم الانسان العراقي ماديا و معنويا و بالحروب المفروضة عليه و الحصار الاقتصادي الذي عانى منه و الاضطهاد الفكري و انتهاك الحريات و القتل و السجن و التعذيب و التشريد و التهجير و التدمير و قائمة طويلة عريضة من انتهاك حقوق الانسان بكل اشكاله و الذي أخذ كل العراق نصيبه منها ولو بنسب متفاوتة بغض النظر عن القومية والدين و المذهب .
قد يقول القائل و لكن الانسان العراقي هو الذي ارتضى بهذه المأساة المتكررة و بتكرار الواقع المريض ليفرض نفسه عليه و قد يستشهد بان (كما تكونوا يول عليكم) او( ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) و لكن العراق قدم الكثير من خيرة شبابه من اجل تغيير الوضع و لم يترك أدنى فرصة متوفرة لتبديل النظام لكنه لم يفلح و هناك أسباب مختلفة لذلك فالنظام كان سفاحا الى ابعد الحدود و استخدامه المفرط للقوة و جرائمه البشعة و ماقام به من قمع للمعارضين من اسلاميين و غيرهم و كم للافواه هو شهادة لصالح كل العراقيين الشرفاء الذين قدموا ما استطاعوا تقديمه لتغيير الواقع و لتحرير العراق و انسانه من بطش السلطة والسبب الاخر أن معادلة العراق بالذات كانت (و ما زالت) معادلة صعبة ، صعبة جداً تتدخل فيها عوامل دولية للاهمية الاستراتيجية و الاقتصادية التي لم و لن تفارق العراق قط.
لحق سقوط النظام وضع اخر فرض عليه مرة اخرى و هو الاحتلال بما هو احتلال و ما يحمل هذا المفهوم من دلالات غير مرغوب بها اطلاقا لايطيقه الانسان العراقي كما لا تطيقها المجتمعات قاطبة.
الاحتلال هو الاخر- و ان أنقذ الانسان العراقي من وضعه المأساوي الذي كان يعاني منه لامن أجله طبعا و لكن من أجل مصلحة عليا له اقترنت بأزالة النظام - و لاسباب كثيرة مقصودة أو غير مقصودة أوجد فراغا امنيا للارهاب التكفيري و السياسي ليساهم هو الاخر في ايجاد حالة فرضت على الواقع العراقي مرة اخرى مسببة المزيد من الخسائر المادية و المعنوية و النفسية لهذا المجتمع.
و لكن هناك مشاكل أخرى يعاني منها الشارع العراقي لم تفرض عليه من الخارج بل ترتبط به و بطريقة عمل افراده ارتباطاً مباشراً و لذلك فحلها يكمن في يد المجتمع نفسه عندما يصبح هناك هما مشتركاً لمعالجتها تتم الاشارة سريعا اليها على مستووين:
على مستوى علاقة افراد المجتمع فيما بينهم كثيراً ما يطغى جانب المصلحة الشخصية أو"الأنا" على حساب المصلحة العامة و حقوق الاخرين. هناك نماذج كثيرة لصور مشوهة من التعامل لاعلاقة لها بالوضع السياسي او الاقتصادي.على سبيل المثال ما علاقة طريقة تعامل المعلم او المعلمة بالوضع السياسي او الاجتماعي و كيف يستطيع هذا المعلم ان يكون مؤثراً اذا كان يمارس " ديكاتورية الصف" بحق تلامذته و كيف له ان يستهين بكرامة الطالب بممارسته للضرب او الاهانه الكلامية و كيف يجيز لنفسه ان ينتقص منها و الله هو الذي أعطاها و هو الوحيد القادر على سلبها بعد ان كرم بها بني ادم؟ و لماذا لا يتحرج الموظف من أخذ الرشوة ليظلم بها نفسه و يظلم بها الاخر الراشي الذي يستجيب رغماً عن أنفه لها و يظلم بها الاخرين الذين ضيع فرصتهم بتفضيل شخص اخر عليهم و هم أحق بذلك منه؟ لماذا يتجاوز سائق المركبة على حق الاخرين؟ لماذا يتج اوز أب الاسرة على أولاده و زوجته بممارسته "ديكتاتورية البيت" و ... ونماذج كثيرة أخرى. المشكلة تتعلق بثقافة خاطئة موجودة لا بد أن تتغير لانها سوف توءثر سلباً على حركة المجتمع ككل و تعثر حركته بل قد تسيره الى الوراء. ثقافة "مصلحتي فوق كل المصالح و الاعتبارات". مجتمعنا بحاجة الى تطبيق قيم أخلاقية : (لاتَظلم كما لا تحب ان تظلم) و (حب لاخيك ما تحب لنفسك) . هذه الكلمات ليست كلمات فلسفية، انها واضحة الدلالة بلا حاجة الى تأويل او تفسير و غير مرتبطة بقومية أو دين أو مذهب معين. خطاب عام موجه الي افراد المجتمع واحدا واحدا. هناك مشاكل على المستوى الاخر في علاقة المجتمع ككل مع الحكومة و الذي كثيراً ما يتوقف عند الاعتراض السلبي الغيرمتفاعل و الانتقاد الغير هادف لطريقة عملها متناسياً بذلك ; مسئوليته تجاه حكومته التي اكتسبت مشروعيتها من خلال اصواته. النقد الايجابي البناء الواقعي المبتني على الحقائق و الدلالات الموثقة مطلوب بل ضروري جداُ و يعد من سمات الديمقراطية التي طويلاً ما حلم العراق بها. لم تخلوا ولن تخلوا أي حكومة ديمقراطية من ممارسات خاطئة و ان كانت نسبة الممارسات هذه مختلفة من مكان الى مكان و تجربة الى اخرى. هذا امر طبيعي بل لابد ان يكون كذلك و الحكومة العراقية المنتخبة ليست بمنأى عن الأخطاء. بعضها ذاتية يجب تبيينها و الاشارة اليها و تعديلها و القيام بدور الناصح الأمين و البعض الاخر منها مرتبط بالوضع الاستثنائي الذي يمر به العراق ...
ياسر الخزاعي
التعليقات