طوبة وعيد وطق أصبعتين
هذا يوم آخر تعيس منفر مزعج ، يضاف الى مسبحة الأيام المملة . فاتحته تشبه ختمته . كان يوم جمعة قائظة سمته الناس " وشالة العيد " الذي لم يكن سعيداَ كما جاء توصيفه وتفصيله في كتاب القراءة الخلدونية ، طيبة الذكر والذاكرة . عصريته ، كانت لعبة طوبة بين لعيبة العراق ولعيبة الأردن ، انتهت بهزيمة أسود الرافدين - تسمية مجازية غير موفقة - فوق أرضهم وفي ملعبهم الذي لم يكن أعوج ، لكن الواقعة توقفت غير مرة بسب انقطاع الكهرباء العزيزة ، ولما عادت ، كان كل شيء قد انتهى ، وفريق زيكو البرازيلي يسير الى حتفه . معلق المباراة المقهور ، قال أن زيكو بريء من دم الأسود ، لكن حكم اللعبة لم يكن موفقاَ ، ومع تواصل منظر لعيبة العراق وهم يسحلون أجسادهم المنهكة سحلاَ ، فاض غضب المعلق المسكين وختم خطبته بالقول ، أن الأمر لا يخلو من مؤامرة . معلق تبريري لا يشبه مؤيد البدري ، لكنه يشبه تماماَ ، وزراء ونواب حكومة الشراكة ببغداد ، الذين ان سألت واحدهم عن أسرار الفساد ونقص الكهرباء والماء والكرامة ، أجابك وهو يتمطق ويتغامز ويتلامز ، أن هذا لهو ثمن الحرية . هجرت القناة التي نقلت المباراة ، ورحت الى واحدة كانت تبث جلسة طرب ، لمناسبة العيد . مطرب غليظ وزنه أزيد من مائة وسبعة وعشرين كيلواَ من اللحم والشحم ، كان يؤدي طور المحمداوي . صوته عذب مثل صوت عبادي العماري . يتلاعب المغني بالطور ويباغت الفرقة الموسيقية ، ويهبط نحو قطعة مستلة من طور العلوانية ، ثم يقفز فيستل أغنية من تراث طور حميّد ، فتحدث خلخلة ومعمعة ودربكة على مشهد الموسيقى . أبو الطبلة يطبل صفح ، وحامل الزنجاري يهلهل خارج السرب ، لكن عازف الكمان المجيد مثل فالح حسن ، يتدخل وينقذ اللمة ويعيد الطور الى طوره . ألمطرب السمين يعشق امرأة - في النص الشعري - لكن أهل الحبيبة قساة . الغليظ لا ينام الليل . مشروبه مر وحنظل وزقنبوت . يثغب ويعيط حتى يكاد يشق زيقه ويلطم خده ، وينهي الأمر بصيحة : أليوم أريد أحباب كلبي ، ويثنّي بقاضية : خلص مايهن عمين عيوني . وبمواجهة هذا المشهد الدامي ، نط من وسط الجلسة ، مطرب آخر ، بدا أن دوره كان من أجل تخفيف أوجاع وعويل السامعين ، حيث غنى أغنية ظريفة لا تخلو من روح الفكاهة ، لكنها كانت تنطوي على حس أمني بائن شديد الوضوح ، أذ يتغنوج مطلعها ويتدندن ويتمحور ويتبأّر حول معنى ، أن مطربنا ، يبحث عن حبيبة مفقودة . الحبيبة عندها شامة . ألشامة مزروعة فوق الحنك . ألوجه أبيض مدور . عينان واسعتان مثل شط . يهيم المطرب على وجهه - في النص طبعاَ - فيصل بليل مسخم ، نهاية الزقاق ، فيلاقي صدراَ بصدر ، أحد الوشاة . ألواشي يسأل المطرب عن سر نوحه وعويله . ألمطرب يجيب بأن حبيبته قد ضاعت من بين يديه . يطلب الرجل الواشي من المطرب ، أوصاف الحبيبة الشاردة ، فيجيبه المطرب . يصفق الواشي كفه اليمين فوق كفه الشمال . يكفهر وجه المطرب العاشق ويطيح حظه - أيضاَ في النص المغنى - ، وبما تبقى من حيل ، يسأل الواشي الخبيث عما جرى لحبيبة العمر . يمسك الواشي اللئيم بكتف المطرب المسكين ، ويقول له : أن حبيبتك يا صاحبي " مو راحة " وهنا يشق المطرب زيقه ويلطم جبهته ، ويستل من محزمه ، خنجراَ ، ضربته واحدة لا تثنى ، ويزرعه بقلب الواشي . تصل الشرطة المكان ، وتضغط الكلبجة على معصمي المطرب المتهالك ، وتشيله صوب محبس تسفيرات البصرة . ومن قوة القهر ، وفرط العشق ، يحفر المطرب بأظفاره وأسنانه والنواجذ ، نفقاَ طويلاَ تحت زنزانته الظلماء ، ويهرب الى شط الفاو ، ويهجر الغناء ، ويشتغل صياداَ ، وفي احدى رحلات الصيد وعصاري باب ألله الواسعة ، تأتيه دورية كويتية من جمعة جنود جبناء خوافين ، وتختطفه الى جهة مجهولة . وما زال سكنة الفاو وام قصر ، ينصتون في ليالي السكون الملاح ، الى صوت شجي يتناوح ب " أسمر وشامة بالحنك ، عينه وسيعه " !!
عمّان حتى الآن
علي السوداني
التعليقات
|
فاضل صديقي الجميل شكرا لطلتك الحميمة اين انت الان من الارض لك محبتي والصحب عندك والبلاد حتى نلتقي علي عمان حتى الان |
|
|
كل عيد وانت بالف خير صديقي المبدع الرائع علي السوداني استمتعت كثيرا بطوبتك وعيديتك الخفيفة الدم كما هي دائما وبدك الاصبعتين الحقيقي الذي صرنا نتحسر عليه |
|