القلــــــــــــــــم : هويـــــــــــــــــــة الانســــــــــــــــان
الإنسان ، هو الكائن الوحيد ، الذي أعطاه الله قدرة الكتابة ، وعلمه القلم ما لم يعلم ! .
فالقلم أكبر منحة ، زرعها الله سبحانه ، في يد الإنسان ، لكي يقطع بها رحلة التكامل ، في البناء ، والتعمير المادي ، والمعنوي ! .
ولولا القلم ، لما استطاع الإنسان ، أن يدغدغ مفاتن الطبيعة ، وينشر العلم في الآفاق . وما ينطبق على القلم ، ينطبق على البيان
لأنهما رافدان متعانقان ، يصبان في نهر التقدم والعلم ! . ورحلة التكامل التي يقطعها الإنسان ، في الحياة ، لا يمكن أن تتم ، إلا عن
طريق القلم ، والبيان ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، في أول سورة له ..... نزلت على قلب النبي الأعظم ( ص ) وتعالوا نعش دقائق
مع ظلال السورة المباركة ... يقول القرآن الكريم :
*( إقرأ باسم ربك الذي خلـق * خلق الإنسان من علـق * إقرأ وربك الأكــرم * الذي علًم بالقــلم * علًم الإنسان ما لم يعلـــم *)
سورة العلق 1ـ5
وفي هذه السورة رؤى تستحق الوقوف عندها ، وفيها ملاحظات تجدر الإشارة إليها : والرؤى هـــــي :
أولاَ : قوله تعالى : *( إقرأ باسم ربك الذي خلق *) لاحظوا جيداً : إنما لم يقل : إقرأ باسم الله الذي خلق ... وإنما قال : إقرأ باسم ربك الذي
خلق .. فاختار كلمة الرب بدل كلمة الله ! .. والسبب واضح وهو : أن كلمة الرب ، مشتقة من التربية ، فكان القرآن يريد أن يعلمنا كيف نقرأ،
لتكون القراءة في إطار التربية والبناء ، وليس في مجال التحلل والهدم ! .
ثانياَ : *( إقرأ وربك الأكرم الذي علَم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم *)
وقد تقرر في أصول الفقه أن ترتب الحكم على الوصف مشعر بكونه علة ، وهذا يدل على أن الله اختص بوصف الأكرمية ، لأنه علم الإنسان العلم
فلو كان هناك شيء أفضل من العلم ، لكان إقترانه بالاكرمية المؤداة بأفعل التفضيل ...
)) من كتاب منية المريد صفحة 13
ثالثاَ
: إن السورة عرضت رحلة الإنسان في طريق التكامل .... أخذاَ من العلقة وهي أدنى المراتب في الأشياء : وإنتهاء بمرتبة الإنسان العالم الكامل
، الذي يفلق الخلية ، ويجزء الذرة ، وهي أرفع قمة في حياة البشرية . على أن وصول الإنسان إلى القمة ، إنما تم بفضل القلم والبيان ليس أكثر ! . . .
المــــــلاحظــــــات :
أولاً
: قد يظن البعض ، أن المفروض في أول سورة تنزل في القرآن ، أن تتحدث عن واحدة من العبادة ، مثل الصلاة ، أو الصوم فلماذا ـ إذن ـ تركت
الأمور العبادية وطالب الناس بالقراءة ، أولاً وقبل كل شيء ؟ ! . واعتقد أن الذي يعرف الإسلام ، يعرف السر العميق ، وراء هذه السورة المباركة ! .
فالدين الإسلامي ، دين العلم والنور ، دين الإستقلال والحرية ، دين التقدم والإزدهار . الدين الإسلامي ، دين العلماء والمجاهدين .. وإذا كان الإسلام كذلك،
فلا بد له أن يطالب اتباعه بالقراءة قبل أن يطالبهم . بالعبادة وذلك : لأن العبادة الفارغة من القراءة ، والوعي ، عبادة فارغة من النور والحرية ... فارغة من
من العلم والمعرفة ، وبالتالي : فهي عبادة تتناسب مع عقل الإنسان في العصر الحجري ، وليس مع الإنسان ، المسلم في عصر الإسلام العظيم ! . والقراءة
تفتح الآفاق تلو الآفاق أمام هذا الإنسان الضائع في متاهات الجهل ، وظلام الاستغلال . فالأُمــة الواعية ، التي تطرد الاستعمار من بلادها ، هي الاُمـــــــة
! . التي تقرأ ، وتقرأ في كل علم وحول أي شيء
ثانياً
: ان صفة الأكرمية ، وكلمة الرب التي تشير إلى التربية تؤكدان ، إن لا كرامة للإنسان إلا في ظل القلم ، والبيان . وعندما يقول القرآن : ولقد كرمنا بني آدم،
فإنه يشير إلى التكامل العلمي ، الذي جاءت به السورة ... إذا لا كرامة للإنسان دون الأخذ بناصية القلم ... وزمام البيان ! .
ثالثاً
: السورة كررت القراءة مرتين ، ثم ذكرت الكتابة المتمثلة بالقلم ، وكأنها تريد أن تعطي درساً ، لمن يريد أن يربي القلم بين أصابعه فتقول له : لكي تأتي الكتابة
جميلة وعميقة ، إقرأ مرتيتن ، وأكتب مرة واحدة
عباس العيداني
التعليقات